د. عبد الواحد مشعل
يحظى موضوع التنوع الثقافي أو التعددية الثقافية باهتمام الانثروبولوجيا الثقافية، بعدها تتخذ من البحث النوعي أسلوباً ضرورياً ينبغي ان يركز على دراسة التغيرات في النظم القرابية والدينية والمعيشية وتقاليد وعادات الزواج والطقوس المرتبطة به، فضلا عن طقوس الأعياد وسمات السلم الطبقي في المجتمع العراقي المعاصر.
تسعى الانثروبولوجيا المعاصرة إلى تقديم رؤية جديدة عن التنوع الثقافي في المجتمعات الانسانية الحديثة، ومنها المجتمع العراقي المعاصر قادرة على ترجمةِ الواقع الاجتماعي والمواقف والانماط والاشكال السلوكية، التي يظهرها التنوع الثقافي في المجتمع، - اذ يجري ذلك على وفق رؤية تنظر إلى هذا التنوع بصفته دافعا للإبداع والابتكار على العكس من المجتمعات الاحادية، التي تسير على وفق معطيات قالبا واحدا تم بلورته على وفق أساليب التنشئة الاجتماعية، كما هو الحال في المجتمعات القبلية أو الطوائف الدينية والمجتمعات المغلقة، التي لا ترى الا نفسها بشخصية واحدة، حتى أدى هذا الشكل الاحادي إلى الوقوف بالضد تجاه اي تغير جديد في منظومتها القيمية، فاذا ما ظهر أي تغير في نمطها الثقافي، فيعد ذلك دخيلا وغريبا عن أسلوب حياتها، وبهذا يكون المجتمع الاحادي منطويا على نفسه غير قادر على الابداع، وعدم القدرة على فهم التغيرات الاجتماعية والثقافية في سياق التحولات الحضارية التي تحيط بها، والتي اقتحمت جدار انعزالها بفعل الادوات الاتصالية المختلفة واتصال القرية بالمدينة والاطلاع على ثقافة الغير، في مجتمع لم يعد بالإمكان البقاء منعزلا ومنكفاً على نفسه، لا سيما عندما تكون القيم والأنماط الثقافية والظواهر الجديدة تحمل معها حالة من القلق والصراع والوقوف بالضد ازاء اي تحول ثقافي جديد في المجتمع، كحالة التفكك الاجتماعي والاغتراب وبلورة ثقافة احادية لا تقبل الجدل، التي تبلور بظهور قناعات جديدة لدى الأجيال الجديدة، التي تكون في تصاعد متسارع يوما بعد اخر عن النمط التقليدي الاحادي وهو يعيش أزمته في زمن العولمة، ما ينذر بتغيرات جوهرية في بنية المجتمع العراقي ما شكل ذلك تحديا لعصبيتها أو تقوقعها في مفاهيم تقليدية كانت مسؤولة عن طريقة تفكير الأفراد، وما يتشكل في المجتمع العراقي اليوم من حراك ثقافي، سواء كان إيجابيا أو سلبيا إنما يمثل في جوهره، تغيرا معاكسا لثقافة الآباء والأجداد، لذا تبرز اليوم حاجة ملحة لدراسة الواقع الاجتماعي العراقي بعد الهزات العنيفة التي تعرض لها خلال العقود الاربعة أو الخمسةَ لتنوع ثقافي منتج ومبتكر، في زمن العولمة حتى وقعت النظم الاحادية في مأزق حقيقي -على الأقل- في نظر الأجيال الجديدة، وما يمكن أن يتمخض عنه ثورة قيمية تقلب كثير ما تم توارثه خلال التاريخ.