تربية الحيوانات الأليفة تسهمُ في ازدهار الطب البيطري
بغداد: سرور العلي
تصوير: أحمد جبارة
من الكلاب اللطيفة إلى القطط المفعمة بالحيوية، أصبحت الحيوانات الأليفة أكثر من مجرد رفقة في المنازل. هذا التحول في المجتمع، أدى إلى نشوء العديد من المحال التجارية المتخصصة ببيع الحيوانات الأليفة وتوفير احتياجاتها، وانتشار العيادات البيطرية المتعددة التي تقدم خدمات طبية متكاملة، من فحوصات دقيقة إلى علاج الأمراض.
يقول سعد محمد، صاحب محل لبيع الحيوانات الأليفة في شارع المشاتل بالأعظمية: "بعض الأمهات يفضلن وجودها في المنزل، لإضفاء البهجة والمرح على الأطفال".
وأضاف في حديثه لـ "الصباح" أن "أكثر اقتناء لهذه الحيوانات يكون من قبل الفتيات، ثم يبدأ أفراد الأسرة بالتعلق بها ورعايتها، والاعتياد على وجودها في المنزل، فالشباب عادة يرغبون بشراء الكلاب، كمظهر للشراسة والقوة، والفتيات يرغبن بالقطط، كتعبير عن رقتهن، لكن هناك من يقتني القطط من الشباب وبالعكس، ويفضل الشباب الطيور بأنواعها، كالحمام والببغاء والكناري وغيرها".
وتحدث مرتضى حسام (25 عاماً)، أحد مقتني هذه الحيوانات، قائلاً: "لدي كلب في المنزل عمره سبعة أشهر من نوع جولدن، وسلالة اسكتلندية، وجوده بجانبي يشعرني بالسعادة، كما أنه يمتاز بالذكاء، ومطيع جداً".
من جانبه يقتني لؤي مجيد (30 عاماً)، طائر الكناري إذ يرى أنه يضفي زينة، وجمالية على المنزل.
وتربي سالي داوود (18عاماً)، قطة من سلالة "شيرازي" أهدتها لها والدتها في عيد ميلادها، وتقول: "أشعر أن تلك القطة هي جزء مني، فلا يمكنني العيش من دونها، فهي لطيفة جداً ورقيقة".
علاء الرماحي، تاجر حيوانات وصاحب مزرعة، قال في حديثه لـ "الصباح": "أنا مختص باستيراد الكلاب النادرة من تركيا ودول أوروبا، وبيعها في العراق ودول الخليج العربي، وكل نوع له سعر معين وتربية خاصة".
وأوضح "من أكثر أنواع الكلاب شيوعاً، ويرتفع الطلب عليه هو، (توي بودل)، لذكائه ومرحه، والكلب (البوميراني)، وهو صغير الحجم، و(كين كورسو) الذي يمتاز بقوته".
هناك من يخشى على صحته من هذه الحيوانات، إذ لفتت أم أكرم (53 عاماً)، إلى أنها لا ترغب بوجود أي حيوان في منزلها، لخوفها من الأمراض الانتقالية، لذلك تمنع أبناءها من تربيتها.
وتخالفها الرأي فاطمة حسن، إذ تشير إلى أن "الفحص الدوري للحيوانات الأليفة وتطعيمها، وإعطاءها الجرعات الضرورية ستبعد الشكوك، ويستمر وجود الحيوان بقربنا".
ازدهار مهنة الطب البيطري، بسبب تربية الحيوانات الأليفة، جاء نتيجة لتحسن الوضع المعيشي لمعظم المواطنين، وفقاً لما يراه الطبيب البيطري دلير موفق.
ويضيف في حديثه لـ"الصباح": "لذلك أصبح هناك إقبال على هذه الحيوانات، ومراجعة العيادات البيطرية لفحصها من أجل الاطمئنان على صحتها، ما زاد من الطلب على الأجهزة الطبية والمختبرية وأجهزة السونار". مؤكداً "يكاد لا يخلو أي منزل اليوم من الحيوانات الأليفة، إلا أن شراءها قد يكون مكلفاً، ويرغب بها كثيرون لرعايتها والاهتمام بها"، منوهاً بأن تلك الحيوانات تحتاج إلى لقاحات ضد الأمراض، وفحص دوري للتأكد من خلوها من أية إصابات محتملة.
الطبيب البيطري في إحدى عيادات الأعظمية، أحمد هذال، قال في حديثه لـ "الصباح": "يفضل أن يكون لكل حيوان أليف طبيب خاص به، ليتابع حالته منذ سن صغيرة، وليوفر له جدولاً يتضمن جميع لقاحاته، وفي حال مواجهته أي مشكلة مرضية سيتم الذهاب به إلى طبيبه، إذ إن تغيير الأطباء بين فترة وأخرى لا يصب في مصلحة الحيوان، وسيقوم الطبيب البيطري بتحديد نوع طعامه واللقاحات، وجرعة الديدان التي سيتناولها، ومعرفة إذا كانت لديه أمراض سابقة أم لا".
وأكد هذال: "لدينا نقابة للطب البيطري، وهي من تمنحنا إجازة ممارسة المهنة وفتح العيادات، ويجب أن يكون أعضاؤها حاصلين على شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة البيطرية، التي تكون دراستها خمسة أعوام".
وبشأن أسعار فحص وعلاج تلك الحيوانات، أفاد هذال بأنها تتراوح بين خمسة آلاف إلى المئة ألف دينار، بحسب نوع الفحص الذي يحتاجه الحيوان، فهناك فحوصات وتحاليل عادية وخارجية، وفحص يشمل الأشعة أو السونار في حالات الولادة.
ولفت إلى أنه لا توجد صيدلية خاصة أو مختبر خاص، بل توجد عيادة بيطرية تتوفر فيها العلاجات كافة بوجود طبيب بيطري، يشخص حالة الحيوان وأعراضه، وأحياناً يحتاج إلى تحاليل إن كان مصاباً بالكسور، أو وجود مشكلات في الجهاز الهضمي والتنفسي، ومن ثم يصرف له العلاج.
وتوجد أنواع مختلفة من الوجبات الغذائية للحيوانات الأليفة ومنها (داري فود كانن)، للكلاب البالغة، وهناك حليب للقطط والكلاب، فضلاً عن المعلبات ذات المناشئ العالمية، كما يفضل الكثيرون من مربيها تزيين الحيوانات باكسسوارات، وشراء المستلزمات التي تحتاجها، كمطارات ماء محمولة للكلاب، وأحذية مطرية وفراء بألوان عدة، وجوارب للقطط والكلاب بأشكال متنوعة، إضافة إلى العطور والعضاضات، وبخاخات تستخدم لمعالجة الفطريات والحساسية، ومعقم للجروح، وشامبوهات، وسير للقيادة وأطواق، ومناديل مرطبة بالفيتامينات، وغيرها.
في السنوات الأخيرة أصبح هنالك إقبال واضح على كليات الطب البيطري؛ وذلك لأن باستطاعة الطبيب البيطري فتح عيادة طبية، أو مكتب بيطري، إذ بين الدكتور ثامر حبيب الخفاجي، المدير العام لدائرة البيطرة في وزارة الزراعة في حديثه لـ "الصباح": "هنالك آفاق كثيرة للعمل الخاص بهذا المجال، لا سيما مع انتعاش تربية الكلاب والقطط وكذلك تربية الطيور، وأصبح وجود الطبيب البيطري ضرورياً في الساحة، فضلاً عن تواجده مع زملائه في المستشفيات والمستوصفات البيطرية، للتصدي للأمراض الحيوانية والانتقالية للبشر".
وأضاف الخفاجي "كما أنها مهنة إنسانية تعتني بكائن حي، كذلك هناك وزارات تستقبل تعيين الأطباء البيطريين، مثل وزارة الدفاع والداخلية، لحاجتها لهم لوجود الكلاب البوليسية، ووزارات أخرى كالصحة والبيئة".
وأكد الخفاجي "هناك قانون يلزم الدولة بتعيين الأطباء البيطريين بعد التخرج، وهو قانون التدرج الطبي البيطري أسوة بقانون التدرج الطبي، لكن منذ عام 1988 أوقفوا العمل به، ولا نعرف الأسباب بالرغم من حاجة البلد للطبيب البيطري، كونه يسهم في توفير الأمن الغذائي، ويسيطر على الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان، وهو الجدار الدفاعي الأول لهذه الأمراض، وبمثابة الجندي المجهول بالمجتمع".
المناهج الدراسية في كلية الطب البيطري في الجامعات العراقية، تعد من أرقى المناهج في الوطن العربي بحسب الدكتور علاء إبراهيم الحمداني، عضو مجلس نقابة الأطباء البيطريين في العراق، ويقول في تصريح لـ "الصباح": "هذه العلوم هي أساسية ومتنوعة، مثل علم التشريح والأدوية، والأنسجة والأمراض وغيرها، التي تعمل على خدمة الطبيب البيطري مستقبلاً وفي متطلباته العملية، كما أن هناك أساتذة أكفاء في هذه الكليات من خريجي الجامعات العراقية والعربية والعالمية".
وبشأن مدى تلبية تلك المناهج لمتطلبات سوق العمل، لفت الحمداني: "كان هناك سابقاً قانون التدرج الطبي البيطري، والآن توقف، لكن هناك سنوات تطبيقية يستفيد منها خريج الطب البيطري، الذي قضى خمسة أعوام بالدراسة العلمية البحتة، وبعد التخرج يمارس الخريج ثلاث سنوات إقامة في المستشفيات البيطرية، ويكون فيها تحت التدريب وبإشراف أساتذة وأطباء ماهرين، لكن هذا القانون، رغم أنه أقر من قبل مجلس النواب، إلا أنه لم يطبق فعلياً، ولم يسمح للخريجين الجدد بالتطبيق في المستشفيات البيطرية، وهذا أثر بشكل سلبي في قلة مهارات الأطباء البيطريين من الناحية العملية".
وطالب الحمداني بتفعيل قانون التدرج الطبي البيطري، لزيادة كفاءة الأطباء في هذا المجال.
وقال: "كانت هناك ثلاث كليات في السنوات السابقة للطب البيطري، موزعة بواقع كلية واحدة في كل من جامعة بغداد، والبصرة، و الموصل، وفي السنوات الأخيرة حصلت زيادة كبيرة في عدد الكليات البيطرية في المحافظات كافة، وجميعها حكومية، وهذا أدى إلى زيادة عدد الخريجين، وبالتالي زاد من مشكلة البطالة".
وأضاف "إلا أن لجنة العمداء في كليات الطب البيطري أقرت مشروعاً، يعمل على تقليص عدد كليات الطب البيطري في العراق إلى ثلاث أو أربع كليات فقط مثلما كان في السابق، ليكون الخريجون بعدد يناسب مشاريع الثروة الحيوانية الموجودة في البلاد، إضافة إلى تخريج طلبة ذوي كفاءة عالية، وقدمت تلك اللجنة مشروعها أيضاً لنقابة الأطباء البيطريين.
ومع تزايد الاهتمام بتربية الحيوانات الأليفة، أصبحت الحاجة إلى أطباء بيطريين متخصصين أكثر إلحاحاً، ما يفتح آفاقاً واسعة لهذا القطاع المهني.