نزار عبد الستار
تعمل الدول بكل تفاعلاتها النشطة على ترسيخ مكوناتها الروحيَّة والفكريَّة وإبراز أخلاقيات طروحاتها من خلال قوة ناعمة تشتغل على الثقافة والفن وهذا بدوره يخلق صورة محبوبة ومقبولة للدولة التي تمكنها قواها الناعمة من وضع توجهاتها السياسيّة والاقتصاديّة في علب سوفونير مخملية.
القوة الناعمة هي الأداة الأبرز في كل الدول المتقدمة فبلدان فاعلة مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وألمانيا تنفق المليارات على تلميع ثقافتها وإبراز معالمها الفنية لتعميق الأثر، ففرنسا مثلا لا تطرح نفسها كدولة تملك ثالث ترسانة نووية في العالم وإنما تتصرّف كحامية للثقافة والفن وتنطلق في سياساتها من واقع هذا التأثير.
لم يتمكن العراق على مدى تاريخه العريق من العمل بالقوة الناعمة بل كان من بدايات الدولة البابلية وشقيقتها الآشورية يستخدم القوة الخشنة للترويج لفكرة الدولة الباطشة الأمر الذي عطل القدرات الثقافية والفنية وعزل الفكرة وجمدها، واليوم بفعل تعقيدات الوضع العراقي تبدو القوة الناعمة هي الاقرب إلى الانقاذ وتصحيح النظرة الدولية للعراق الذي يمتلك قدرات ثقافية مهولة تجعله يتصدر الدول الشرقية في التأثير.
الدفع بالقوة الناعمة نحو الواجهة لا يقتصر على دعم الدولة للفنون والثقافة وإنما ادارة هذه الطاقات بالشكل الذي ييسر التفاعلات ويجعلها مؤثرة في الشعوب الأخرى وهذه الادارة ملزمة بتغيير الأفكار البالية والمصدات الفئوية والإكثار من الصور المشعة وصناعة ديمومة تكون قادرة على توليد انطباعات تنتشر إلى مديات واسعة. إن إدارة المفاعل الناعم لا بدَّ أن ينبثق من فكرة عليا تكون موازية بالخطورة من الأمن الوطني فهذا المشروع لا يتم عن طريق مؤسسات فرديّة أو وزاريّة واجتهادات لجانية بل يكون بمثابة الشريان الأبهر الذي تعمل الدولة بكل قدراتها التخطيطيّة على تحقيقه. إنَّ المنافع التي تجنى من القوة الناعمة كفيلة بتحقيق مكاسب كبرى تُعلي من مكانة العراق بين الأمم.
تفعيل المواقع الآثاريّة وإنشاء مدن ثقافية ومكتبات لائقة بتاريخ العراق وإقامة مهرجانات فنية دولية والاهتمام بالتأليف والترجمة والبنى التحتية للسياحة مع دعم الدراما والسينما والمسرح وتعميق الثقافة في المناهج الدراسية تُعلي أثر العراق وتجعله قوة استقطابيّة فاعلة تحقق المكاسب وتظهره مصقولا بشكل باهر.