بيروت: جبار عودة الخطاط
في مشهد تأريخي غير مسبوق غصت شوارع بيروت أمس الأحد بطوفان بشري هائل للجموع المليونية التي احتشدت لتشييع الشهيد الكبير أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ورفيق دربه الجهادي السيد هاشم صفي الدين، وقد زحفت الحشود منذ ليل أمس الأول السبت قاصدة المدينة الرياضية التي ضجَّت بالحشود المشاركة التي أطلقت الشعارات المدويِّة المتمسكة بخيار المقاومة ونهج السيد الشهيد نصر الله.
مصدر في اللجنة المشرفة على التشييع أكد لـ"الصباح" أن "الأعداد التي حضرت التشييع كانت كبيرة جداً وتقديراتنا تشير إلى تجاوزها المليون و450 ألف نسمة ضجَّت بهم المدينة الرياضية وشوارع بيروت المؤدية للمدينة الرياضية وموقع الدفن بين الشارعين القديم والجديد لطريق المطار، وهذا العدد غير مسبوق في لبنان، والجماهير الحاشدة أرادت إرسال رسالة قوية مؤدّاها التمسُّك بطريق المقاومة التي ضحى من أجلها شهيد الأمة نصر الله، وأنهم
باقون على العهد مهما عظمت التضحيات".
وقد تدفَّقت الحشود التي بدا على محيّاها الحزن والتأثُّر الشديد من الجنوب والبقاع والشمال وبيروت، فضلاً عن وفودٍ من مختلف بلدان العالم، مئات الآلاف من العراق وإيران وفلسطين واليمن وتونس ومناطق أخرى، وسط حضور رسمي وحزبي لبناني واسع، ومشاركة فاعلة من قوى خارجية، حرصوا على تسجيل بصمة حضورهم في هذا المحفل العظيم، ولاحظت "الصباح" أن أبواب المدينة الرياضية في بيروت قد أُغلقت منذ الصباح الباكر ليوم أمس الأحد جرَّاء الامتلاء التام بالجماهير، الأمر الذي جعل الجماهير تتنشر في الساحات والطرق الممتدة من المدينة الرياضية إلى مرقد الشهيد السيّد نصر الله خلف مطعم الساحة.
طيران العدو
وفي خطوة لافتة، في استفزازها حلَّق سرب من الطيران الصهيوني على علوٍّ منخفض جداً خلال تشييع أمينَي عام حزب الله السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين في العاصمة بيروت، في مسعى صهيوني بائس لترهيب الجماهير المليونية المشيعة غير أن الجماهير قابلت هدير الطائرات المعتدية بالهتافات المتمسكة بالنهج الذي رسمه الشهيد نصر الله بدمه الشريف.
مراسم التشييع
بدأت مراسم التشييع بتلاوة معطَّرة من آي الذكر الحكيم تلا ذلك دخول الجثمانين الطاهرين للشهيدين نصر الله والهاشمي حيث طافا بعجلة مكشوفة في مضمار المدينة الرياضية قابله التفاعل العاطفي الكبير من قبل الجماهير المحتشدة، بعد ذلك، تمت تلاوة رسالة المرشد الأعلى في إيران السيد علي الخامنئي للجموع المعزية، جاء فيها: "الْمُنَافِقِونَ لَا يَعْلَمُونَ مكانة المجاهد الكبير، وزعيم المقاومة الرائد في المنطقة، سماحة السيد حسن نصر الله (أعلى الله مقامه)، قد بلغ الآن ذروة العزة. جثمانه الطاهر يوارى في الثرى في أرض الجهاد في سبيل الله، ولكن روحه ونهجه سيتجلى شموخهما أكثر فأكثر يوماً بعد يوم، إن شاء الله، ويُنيران درب السالكين. فليعلم العدو أن المقاومة في مواجهة الغصب والظلم والاستكبار باقية ولن تتوقف حتى بلوغ الغاية المنشودة، بإذن الله"، مضيفاً: "وأما الاسم المبارك، والوجه النوراني لسماحة السيد هاشم صفي الدين، فهو أيضاً نجم لامع في تاريخ هذه المنطقة، وقد كان ناصراً صفيّاً، وجزءاً لا يتجزأ من قيادة المقاومة في لبنان".
كلمة الأمين
ثم قرأ الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم كلمته في المناسبة، حيث أشار فيها إلى "أننا نودّع اليوم قائداً تاريخياً استثنائياً وطنياً وعربياً إسلامياً يمثّل قبلة الأحرار في العالم وحبيب المجاهدين والناس والفقراء"، وأردف: "واجهنا الكيان الصهيوني بحجم إجرام غير مسبوق لإنهاء المقاومة في غزة ولبنان، إلا أن حجم الصمود والاستمرارية غير مسبوق، ونحن أعدنا تنظيمنا وصمد مقاتلونا الأبطال على الحدود، 75 ألف جندي صهيوني لم يستطيعوا التقدم لمواجهة المقاومة". وأكد أن "الحشد هو تعبير عن الوحدة الوطنية والإنسانية حول فلسطين والحق".
واستطرد الأمين العام لحزب الله، بأننا "وافقنا على وفق إطلاق النار في ظلِّ انعدام الأفق السياسي والميداني، ونحن اليوم في مرحلة جديدة تختلف أدواتها وأساليبها وكيفية التعاطي معها، ونحن قررنا أن تتحمل الدولة مسؤوليتها بعد أن منعنا العدوان من أن يحقق أهدافه، ونحن التزمنا ولم يلتزم الكيان الصهيوني، ونحن لم نخرق كي لا نتساوى معها، واليوم بعد انتهاء مهلة الاتفاق نحن أمام احتلال وعدوان، والقصف على الداخل اللبناني هو عدوان، ولا يستطيع الكيان الصهيوني أن يستمر بعدوانه، اعلموا أن المقاومة موجودة وقوية عدداً وعدَّة وشعباً، ونحن نؤمن أن النصر النهائي حتميٌّ كنصر مطلق، يتأخر لأن القِلَّة التي تواجه ولو واجه الجميع لتغير الوضع".وشدد الشيخ قاسم، على "أننا سنمارس العمل المقاوم بالأساليب والطرق والتوقيت إنسجاماً مع المرحلة وقرار القيادة، ولا نقبل أن تتحكم أميركا ببلدنا"، وأكد بأننا "لن نقبل باستمرار قتلنا ونحن نتفرج، يا أصحاب السيادة أين أنتم من الاحتلال الصهيوني والتدخُّل الأميركي، لو اجتمع طواغيت العالم بأسره سنجتمع على مواجهته (أما النصر أو الشهادة)".
شعائر الصلاة والدفن
بعد ذلك قام الوكيل الشرعي العام للسيد الخامنئي في لبنان وعضو شورى حزب الله العلامة الشيخ محمد يزبك بالصلاة على جثماني السيديْن الشهيديْن، تلا ذلك تحرك مسيرة الجثمانين الطاهرين اللذين ضمهما مجسَّمٌ زجاجي كبير فوق شاحنة كبيرة، فضلًا عن مسيرة ضمَّت عدة فعاليات لحاملي صور الشهداء ومواكب أخرى تحركت على إيقاع الموسيقى الحزينة والمارشال العسكري فضلاً عن رفع العلم اللبناني وعلم حزب الله شقَّت طريقها بصعوبة وبطء وسط مئات الآلاف من المشيِّعين الذين ضجَّت بهم الشوارع المؤدية من المدينة الرياضية للمرقد الشريف؛ خلف مطعم الساحة في طريق المطار حيث تمت بعد ذلك مراسم مواراة الثرى لجثمان شهيد الأمة سماحة السيد نصر الله، بينما من المنتظر أن يتوجه اليوم الاثنين جثمان السيد هاشم صفي الدين إلى بلدته دير قانون جنوب لبنان ليُصار إلى دفن جثمانه الشريف هناك. هذا وحضر مراسم التشييع كلٌّ من رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلاً لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزيف عون، ووزير العمل الدكتور محمد حيدر ممثلاً لرئيس الحكومة القاضي نواف سلام، والرئيس السابق أمين لحود، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وممثلين رفيعي المستوى من إيران والعراق، وعوائل الشهداء وشخصيات قضائية ودينية .