تأخر النفقة.. عبءٌ ثقيلٌ على كاهل أسر المطلقات
بغداد : سعاد البياتي
على الرغم من مرور أشهر طويلة على بدء إجراءات قضيتها في المحاكم، ما زالت خالدة، (أم لطفلين)، تجد نفسها عالقة في دوامة قانونية لا تنتهي. حكم التفريق قد صدر، لكن حقوقها وحقوق أطفالها لم تنفذ بعد. تعيش خالدة حالياً في ظروف صعبة، من دون دخل ثابت أو نفقة تكفل معيشتها. وتقول خالدة: "المعيشة صعبة، والأطفال هم من يدفعون الثمن، وهذا يؤلمني أكثر".
تطرح خالدة تساؤلات مشروعة: "لماذا تتأخر المحاكم في البت في قضيتي؟ وما الذي يمكن فعله لضمان تسريع تنفيذ الأحكام؟".
قضية خالدة واحدة من عشرات ومئات القضايا التي تنتظر الحسم بين المحاكم الشخصية ودوائر التنفيذ، فقد بات أغلبها يأخذ وقتاً طويلاً لحين حسمها، وفقاً للعديد من القانونيين المتواجدين هناك، وإن تنفيذها يتم وفقاً لإجراءات معقدة لا بد منها.
في ظل تعقيدات القضايا الأسرية والتداعيات النفسية والاجتماعية التي تترتب عليها، يصبح الأطفال أكثر المتضررين من هذه النزاعات، وفقاً لما تؤكده الباحثة الاجتماعية سجى الطائي. وفي حديثها لـ"الصباح"، تقول الطائي "في كثير من الحالات، لا تقتصر آثار الانفصال على الزوجين فحسب، بل تمتد لتشكل تحديات نفسية كبيرة للأطفال الذين قد يحملون آثار هذا الانفصال طوال حياتهم"، مشيرة إلى أن "الانفصال يترك آثاراً عميقة في نفسية الطفل حتى وإن مرت عليه سنوات، وقد يؤدي إلى تدمير شخصيته مستقبلاً".
وأكدت أن العديد من الأمهات يعانين من صعوبة توفير النفقة لأطفالهن بسبب التأخير في الأحكام القضائية، ما يؤدي إلى تفاقم الأمراض النفسية في الأسرة، موضحة أن تأخير النفقة قد يعني المزيد من الألم للأسرة بأكملها، وهذا ما ينعكس بشكل مباشر على الأطفال الذين يعانون من التوتر والضغوط الناتجة عن مشكلات أسرية مادية واجتماعية.
من جانب آخر، تؤكد الطائي أهمية توفير بيئة مناسبة للتعامل مع الحالات الأسرية داخل المحاكم، حيث يتم إجراء "مكاشفة صريحة بين الزوجين في غرفة البحث الاجتماعي"، بهدف تهدئة الأجواء ومحاولة تقليل الانفعالات بينهما أثناء وجودهما في المحكمة، ما قد يساعد في تقليص التوتر وربما الوصول إلى حلول ودية بين الطرفين.
جهل القوانين
القانوني (محمد حسن) يؤكد أن أغلب القضايا التي تخص الأسرة، ولا سيما حقوق الزوجة في النفقة وغيرها لها سقف زمني لا يمكن تجاوزه، إلا أن من أكثر الأسباب التي تؤخرها هي الجهل بالقوانين والحقوق، فمن الحالات التي تردنا هي عدم تسجيل وتوثيق عقود الزواج أو تثبيت حديثي الولادة، وغيرها الكثير من المشكلات التي تترك للأهل دون الاستعانة برجل القانون وخبرته.
وتابع بالقول "هناك مجموعة إجراءات قانونية وبيانات لكلا الزوجين المنفصلين لا بد من توفرها في اضبارتيهما، وقد تأخذ وقتاً طويلاً لحين توفر الشهادات والوثائق التي تثبت عمل الزوج ومقدار راتبه، وهنا الكثير منهم يتعمدون تأخير جلب المستمسكات بحجج متعددة"، مشيراً إلى أن جميع الدعاوى، تتم المطالبة ببياناتها عبر البريد الرسمي، وهو سبب آخر قد يؤدي إلى التأخير في حسم هذه القضايا وفي إجراءات تنفيذ الحكم في القضايا الأسرية.
وعن أسباب التأخير حدثنا أ.م. د. عبد عون عبود المسعودي، اختصاص الإرشاد النفسي قائلاً: "النفقة حق قانوني وإنساني واجتماعي يقرره القضاء، وإن لتأخيرها أسباباً منها سبب إداري أي إن التأخير ناتج عن عدم حسم الموضوع من قبل الموظف المختص، أو قد يكون مبلغ النفقة أكبر من قدرة الزوج، وهنا نجده يماطل ويحاول إعادة الحكم، وهذا يتطلب وقتاً طويلاً لحين إقناعه وإجباره على تنفيذ قرار المحكمة".
ويضيف "كما أن هناك أسباباً أخرى للتأخير، منها هروب الزوج وعدم امتثاله للقانون وخصوصاً إذا لم يكن موظفاً في مؤسسة حكومية، فإنه يتعمد إخفاء عنوانه، وهذا ما يسبب إحراجاً ومماطلة للقانون".
إضافة إلى أن عدم متابعة الزوجة أو من ينوب عنها الدائرة المختصة بتنفيذ قرار النفقة وما شاكل ذلك، قد يسهم هو الآخر بتأخير تنفيذ أحكام النفقة.
واستدرك المسعودي "هناك أيضاً أسباب أخرى خارج نطاق القانون، وهي أن بعض الأزواج يحاولون تأخير التسديد لأغراض الانتقام من طليقاتهم، وهذا يحدث كثيراً"، مبيناً أن "أي تأخير أو امتناع عن إعطاء النفقة له آثار نفسية على الأم والأبناء، أهمها زرع الكراهية بين الأب وأبنائه وكذلك غلق باب إصلاح ذات البين بين الطليقين، كما تترتب على ذلك مشكلات اجتماعية ونفسية وقانونية كثيرة"، وفقاً للمسعودي.
وتشهد المحاكم العراقية شهرياً آلاف حالات الطلاق، حيث يعزو المختصون ذلك إلى تدهور الواقع المعيشي، فضلاً عن تأثيرات سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في توترات العلاقات الزوجية. ووفقاً لآخر إحصائية رسمية لمجلس القضاء الأعلى، فإن أكثر من 45 ألف حالة طلاق سجلتها المحاكم خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي 2024.
أحكام قضائيَّة
القاضي سالم روضان الموسوي يشدد على أن الزوج ملزم بتوفير النفقة للزوجة منذ لحظة عقد الزواج الصحيح، حتى لو كانت الزوجة تقيم في بيت أهلها، ولا يوقف هذا الالتزام إلا بانحلال الرابطة الزوجية، سواء بالطلاق أو التفريق أو أي سبب آخر.
ويوضح أن هذه الأحكام تستند إلى المادة (23/1) من قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959 المعدل، التي تنص على ضرورة التزام الزوج بالنفقة. أما في حال امتناع الزوج عن الإنفاق، فتنص المادة (24/1) من القانون نفسه على أن النفقة تكون ديناً بذمة الزوج عن الأشهر التي امتنع خلالها عن دفع النفقة.
إلا أن هذه النصوص القانونية، وفقاً للموسوي، لا تمنع العديد من النساء من مواجهة صعوبات في الحصول على حقوقهن بسبب تأخيرات المحاكم أو التحديات التي تواجهها عملية التنفيذ.
ويضيف القاضي الموسوي "لكن يبرز هنا جانب مهم في القانون قد يكون سبباً في تقليص حق الزوجة في المطالبة، فإذا مضت أكثر من سنة من تاريخ امتناع الزوج عن دفع النفقة، يسقط حق الزوجة في المطالبة بالنفقة عن هذه الفترة، ويقتصر حقها على المطالبة بنفقة سنة واحدة فقط، وفقاً للمادة (24/1) من قانون الأحوال الشخصية".
وتابع "بعد أن يصدر الحكم بتقدير النفقة وإلزام الزوج بأدائها يتم تنفيذ الحكم لدى دائرة التنفيذ، فإذا كان للزوج أموال يتم حجز تلك الأموال وتحصيل مبالغ النفقة منها، أما إذا كان لديه راتب مستمر من الدولة فيحجز على الراتب لتسديد مبالغ النفقة".
وبحسب الموسوي "يجوز حجز الراتب لاستيفاء النفقة غير المتراكمة مهما بلغت قيمتها، كما يجوز حبس الزوج الممتنع عن دفع النفقة المحكوم بها لحين تسديدها وعلى وفق أحكام المادة (41/3) من قانون التنفيذ".
تنفيذ إجباري
أما في ما يتعلق بتأخير تنفيذ النفقة، فأوضح الموسوي بالقول: "يوجد تأخير في استيفاء الزوجة لنفقتها المحكوم بها والأمر لا يعود إلى دوائر التنفيذ وإنما إلى تهرب الزوج المدين بالنفقة عن الوفاء رضاء، ما يضطر المنفذ العدلي إلى اللجوء للتنفيذ الجبري، وفيه مخاطبة لمراكز الشرطة وقضاة التحقيق والتحري عن الأموال التي يخفيها عن الأنظار، وهذه تستغرق فترة زمنية طويلة تؤثر في الزوجة وتزيد من معاناتها".
كما يوجد قرار لكيفية استحصال نفقة الزوجة من الزوج الذي لم يكن (موظفًا أو عسكريًا أو رجل شرطة أو عاملاً أو متقاعدًا، أو ممن يتقاضى راتبًا أجرًا من الدولة)، وفقاً للقاضي الموسوي، حيث رسم طريق قانوني وذلك بمضاعفة مبلغ النفقة المحكوم بها إذا لم يسددها في موعدها المحدد من قبل دائرة التنفيذ وإن كرر الامتناع عن الدفع فإن أمواله المنقولة وغير المنقولة يتم حجزها وبيعها عن طريق دائرة التنفيذ لاستيفاء مقدار النفقة ومضاعفاتها حتى ولو لم تطلب الزوجة ذلك، لأن القرار أعلاه جعل من دائرة التنفيذ هي المكلفة بالمتابعة وليس الزوجة وهذا أضفى قوة على الإجراء المتخذ".
في خضم التعقيدات التي تشهدها القضايا الأسرية وتأخيرات تنفيذ الأحكام، تظل معاناة النساء والأطفال قائمة، ويبرز التأثير النفسي والاجتماعي العميق لهذا التأخير في حياتهم.