حمزة مصطفى
لم يبق أحد لم يدل بدلوه هذه الأيام حول "الشرق الأوسط الجديد". المحللون والخبراء وغير المحللين وغير الخبراء اتفقوا أن ما قبل الجولاني سابقا الشرع حاليا ليس ما بعده. وبينما يعد دونالد ترمب الأيام والساعات لكي يعود إلى البيت الأبيض ثانية، فإن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو عد هو الآخر أن "الشرق الأوسط" ما بعد الجولاني ـ ليس ماقبله. بل قال أكثر من ذلك مخاطبا عددا من مسؤولي كيانه "لقد حققت ما وعدتكم به وهو تغيير الشرق الأوسط". لكن لماذا السؤال يتعين على الشرق الأوسط وحده أن يتغير؟ لماذا لا أحد يلتفت إلى الشرق الأقصى. أو جنوب شرق آسيا أو أفريقيا، أو دول البحر الكاريبي أو أميركا اللاتينية؟
في الواقع أن طرح أفكار من هذا القبيل ليست وليدة ما حصل بعد "طوفان الأقصى" بل تعود إلى نحو ثلاثة عقود إلى الوراء. ذلك أن أول من طرح مفهوم أو صاغ مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" هو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز، الذي أصدر عام 1994 كتابا صغيرا تحت هذا العنوان. لكن مجمل ما يجري من أحاديث وحوارات الآن تربط في المفهوم بكوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة صاحبة "الفوضى الخلاقة" ونتنياهو الذي يتبنى هذا المفهوم الآن.
وفيما بقيت أفكار بيريز بين دفتي كتابه الصغير ذاك فإنه بعد احتلال العراق عام 2003 أعادت رايز إحياء فكرة بيريز عندما نادت بشرق أوسط جديد. غير أن الرياح لم تجر بما تشتهي سفينة رايس ومن قبلها سفينة بيريز حتى حلت لحظة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023. ومع إنه كان لمستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبيغنيو برينجنكسي حصة في صياغة مفاهيم من هذا النوع عبر ما عبر عنه بالدعوة إلى "صحوة إسلامية" في هذه المنطقة تمهيدا لما أراد الوصول اليه عبر عالم متعدد الأقطاب معبرا عنه باسم "البلقان العالمية" فإن الأرضية التي تبدو مناسبة الآن هي اللحظة السورية بعد سقوط نظام الأسد التي كانت جزءا من تداعيات طوفان الأقصى. لذلك يبدو من حق دول المنطقة ومنها العراق الحذر مما يمكن تسميته تغيير الخرائط، وهو ما يتطلب المزيد من التضافر بين جميع دول المنطقة لكي لا تسمح بمخططات الأعداء بأن تتحقق طبقا لما وضعوه من أفكار أو مفاهيم صاغوها قبل عقود من الزمن.