سالم مشكور
من أصعب الأمور وأكثرها إثارة للنقاش والاعتراض هو الحديث أو الكتابة في الشأن السوري، وتحديداً موضوع سقوط نظام الأسد. فالرئيس السوري السابق محل جدل وانشقاق في الموقف منه في الرئاسة كما بعدها. أتحدث هنا عن الانقسام العراقي حوله. فالمؤيد لمحور المقاومة يرفض أي حديث عن دكتاتوريته وظلمه وبطشه بشعبه على مدى عشرات السنين، ولا يتورع بعضهم عن اتهام كل من يتحدث عن ذلك بالانسجام مع المشروع الإسرائيلي، تماما كما فعل وما زال يفعل العراقيون والعرب المؤيدون لصدام حسين. هؤلاء يركزون فقط على إيجابياته في دعم مشروع المقاومة التي كان هو أحد ركائزها. والمعارض لمحور المقاومة لا يرى في الأسد أية إيجابية، بل يعتبر رحيله إنجازا كبيرا، مركزاً على سلبياته الداخلية خصوصا ما رشح من معلومات عما كان يجري في سجون النظام وفي مقدمتها سجن صيدنايا، الذي يحرض مؤيدو الأسد على تفنيد هذه المعلومات ووضعها في خانة التزوير. لماذا يجب تقييم نظام الأسد كسلّة واحدة؟ ألا يمكن – مثلا- القول بأهميته لمشروع المقاومة، وعدم نفي صفات البطش والدكتاتورية عنه؟ لماذا الإصرار على استفزاز مشاعر السوريين كما كان - وما زال- أنصار صدام يستفزون العراقيين بالتشكيك بأي كلام عن ظلمه وبطشه؟. قد يكون بعض ما يقال ويصور عن فظاعة ما كان يجري في سجون الأسد مفبركاً، لكن ذلك لا ينفي حقيقة ما كان يجري. اتحدث في هذا الموضوع ليس اعتمادا على الشهادات المنشرة بعد سقوط الانسان، إنما عن مشاهدات شخصية من خلال تجربة اعتقال مررت بها في سوريا العام 1990 وتحديدا في فرع المخابرات ٢٧٩ المسمى فرع فلسطين:
في حزيران من ذلك العام حزمت حقائبي وتوجهت إلى سوريا بصبحة زوجتي وولديَّ الاثنين، حالما بالعيش في هذا البلد العربي الذي كنت أسمع أنه يرحب بكل العرب. المفاجأة كانت في مطار دمشق حينما نظر ضابط الجوازات في وثيقة سفري وطلب مني الانتظار جانباً، ليرفع سماعة الهاتف ويتمم بكلمات لم أفهمها. وخلال دقائق معدودة وصل شخص مدني وطلب مني مرافقته ( ومعي العائلة)، فبادرته بالسؤال: هل من اشكال أو مشكلة ما؟، أجابني بأنني ساجيب على بعض الأسئلة وينتهي كل شيء. بعد ساعتين من الانتظار وصلت سيارة وأخذتنا مع أشخاص آخرين سوريين تم توقيفهم اثناء عودتهم إلى بلدهم، إلى مكان أشبه بالمعسكر عرفت فيما بعد انه فرع القوة الجوية في المخابرات، ومنه إلى الفرع العسكري في اليوم التالي ومنه إلى مكان عرفت لاحقاً ان اسمه فرع فلسطين، وهناك بدأت ظروف الاعتقال المخابراتي. صدمت عندما استقبلوني من الباب بصراخ وشتائم وتهديد بالإعدام وأنا لا أدري ماذا أقول وكيف اتصرف وأخذت أتساءل مع نفسي: ترى هل هو تشابه في الأسماء أم هي وشاية من عراقي امتهن كتابة التقارير في العراق، ونقلها معه إلى دمشق؟. لا استطرد في سرد التفاصيل وهي كثيرة وانتهت بعد أسبوعين من الاعتقال وخرجت ولم أفهم حتى الان ماذا كان سبب الاعتقال. لكن ما رأيته خلال أسبوعين من ممارسات وحشية مع المعتقلين السوريين واللبنانيين، جعلني أدرك أن البعث واحد والأساليب هي ذاتها، مع فارق أن فقر النظام السوري جعل أساليب تعذيبه للمعتقلين بدائية تقتصر على التعليق بالسقف والضرب بكابل معدني والدولاب (على الأقل حتى ذلك الوقت)، فيما كانت الفورة المالية المتأتية من ارتفاع سعر النفط قد مكنت البعث العراقي من استيراد تكنولوجيا المانية شرقية حديثة للتعذيب المتطور. خارج الاعتقال تعرفت إلى صحافيين وكتاب وأدباء قضوا سنوات طويلة في الاعتقال تعرضوا خلالها إلى تعذيب بشع، ناهيك عمن ماتوا اثناء التعذيب. آنذاك لم تكن هناك انتفاضة شعبية ولا مجموعات إرهابية وافدة، بل معارضة سياسية بحتة ومع ذلك كان التعامل معها يتم بمنتهى الوحشية. صدام حسين كان يدعم الفلسطينيين ويغدق على عوائل شهدائهم، ومؤيدوه يحتجون بذلك لتنزيهه من كل ما كان يمارسه من بطش ووحشية، والحري بنا أن لا نكرر المشهد في حديثنا عن الأسد. صحيح أنه دعم المقاومة وخروجه من المعادلة، وجّه ضربة كبيرة لهذا المشروع، لكن دوره هذا لا يوجب علينا انكار ما فعله بشعبه من خنق للأنفاس وبطش وحشي في أقبية التعذيب. على الأقل لنسكت ولا نحاول تكذيب ونفي ما يتم كشفه الان، ولنتذكر كم يؤلمنا سماع أردني أو فلسطيني وهو يمتدح صدام وينفي عنه اجرامه.