ميسان: سمير السعد
كانت المقاهي الشعبية في ميسان القديمة بمثابة صروح اجتماعية وثقافية، تجسد قيم الترابط والحب والتفاهم بين أفراد المجتمع. لم تكن مجرد مكان لتناول الشاي أو الترفيه، بل كانت منبراً للنقاشات الفكرية، وحاضنة لتبادل الأخبار والأفكار. في هذه القهاوي، كانت تُصاغ القرارات المصيرية، وتُناقش قضايا المجتمع بعمق واحترام.
لم يكن وجود هذه المقاهي مجرد حاجة للترفيه، بل كانت تعبيراً عن نمط حياة يضع العلاقات الاجتماعية في صدارة الأولويات، حيث الكرم والتقدير من أسس اللقاءات. كانت تلك الأماكن شاهدة على قصص لا تنسى وموروثات تحملها الأجيال.
تميزت مدينة العمارة عبر تاريخها بالعديد من المقاهي التي شكلت جزءاً لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والثقافية. كانت هذه المقاهي مساحات تجمع بين مختلف فئات المجتمع من الأدباء والمثقفين إلى التجار والمعلمين، لتصبح مراكز إشعاع فكري واجتماعي.
ومن أبرز المقاهي التي ارتبطت بالمدينة، مقهى – مونس - (الماجدية) واحدة من أشهر المقاهي القديمة في منطقة الماجدية، حيث كانت ملتقى للنقاشات الثقافية والاجتماعية.
مقهى (عبد الله عيسى) (الماجدية) تميزت بموقعها الحيوي في الماجدية، وكانت تستقطب فئة واسعة من السكان المحليين.
مقهى (حميد حويطي) تقع في بداية شارع بغداد قرب جسر الماجدية القديم، وكانت وجهة مفضلة للمرتادين من مختلف الشرائح.
مقهى (الحاج شنون العقيلي) واقعة في شارع التربية، اشتهرت بأنها مكان لتجمع المعلمين والموظفين قبل توسعة الشارع، ما أكسبها طابعاً نخبوياً.
مقهى (حسين بارد) تقع على شارع دجلة، وكانت ملاذًا للمعلمين والمدرسين والموظفين، مما جعلها منصة للنقاشات الثقافية.
مقهى (الجديدة) أنشأها كاظم محمود عليان في منطقة الجديدة، ثم تحولت لاحقًا إلى "مقهى سمير أميس" في شارع دجلة.
مقهى الآداب يقع في شارع دجلة، وكان يُديره عبيد نادر، واشتهر بجذب المثقفين والأدباء وامتاز صاحبها بروح النكتة.
مقهى (التجار) تقع في رأس السوق بشارع دجلة، وكانت وجهة للتجار والوجهاء والشيوخ ومكاناً لنقل الأخبار التجاريّة.
مقهى أبو جعفر (مطلك مظلوم) توجد في السوق المسقوف، واشتهرت بجمعها بين مرتادي السوق من تجار ومواطنين.
مقهى (دعير) موقعها في سوق الدجاج، وكانت من أبرز المقاهي في تلك المنطقة.
مقهى (انعيم) تقع في شارع التربية بالقرب من شارع بغداد، وكانت محطة مفضلة لسكان المنطقة.
مقهى في سوق الطيور قديمة وشهيرة، لكنّها أصبحت منسية، ولم يعد اسمها واضحاً في ذاكرة الكثيرين.
مقهى (جلو) تقع في سوق النجارين، وكانت مركزاً لتجمع الحرفيين وأصحاب المهن.
مقهى (أبو عيسى) تقع أيضاً في سوق النجارين، واشتهرت بجذب شريحة واسعة من السكان.
مقهى (صمد) تقع في سوق الندافين، وكانت معروفة ببساطتها وأجوائها الشعبية.
مقهى (سيد ياسين السامرائي) تقع في ساحة النصر بشارع بغداد، واشتهرت بكونها ملتقى للعديد من الشخصيات الثقافية والاجتماعية.
كانت هذه المقاهي مجالس للأدباء، والمثقفين، والتجار، ورجال الأعمال، وشكلت مشهداً حياً للحياة الاجتماعية والثقافية في المدينة. واليوم، ورغم اندثار بعضها، لا تزال ذكراها حاضرة في أذهان أهل العمارة، كجزءٍ لا يتجزأ من تراثهم وتاريخهم الغني.
لم تكن هذه المقاهي مجرد أماكن للترفيه، بل كانت تشكل مراكز إشعاع فكري وثقافي. عبرها، كانت تنتقل الحكايات، وتُناقش الشؤون الاجتماعية والسياسيّة، وتُبنى علاقات قوية بين مختلف شرائح
المجتمع.
في ظل التطورات الحديثة، ما زال سكان ميسان يتذكرون هذه الأماكن كجزءٍ لا يتجزأ من موروثهم الشعبي، وما زال البعض منهم يحنّ لتلك الأيام التي كانت القهوة فيها أكثر من مجرد مشروب، بل تجربة اجتماعية وثقافيّة غنيّة.
مع تطور الزمن وانتشار الحداثة، حلت الكوفيات الحديثة محل المقاهي الشعبية، أو على الأقل أصبحت الخيار الأول للشباب. تختلف هذه الكوفيات جذرياً في طبيعتها ووظيفتها، حيث تركز بشكل كبير على الجوانب الجمالية والخدمات التقنية مثل الإنترنت، مع إهمال البعد الاجتماعي التفاعلي الذي ميز القهاوي
الشعبية.
عند النظر إلى الكوفيات الحديثة، نجد أن الجانب الاجتماعي قد تأثر بشكل واضح. أصبحت اللقاءات فيها أقل حميمية، حيث ينشغل الكثيرون بهواتفهم وأجهزتهم الذكية بدلاً من خوض حوارات مباشرة. وعلى الرغم من الجمالية العالية التي تتمتع بها هذه الكوفيات، إلا أنها تفقد روح البساطة التي كانت المقهى الشعبية
تجسدها.