لم تبك مرسيدس فاسكيز وهي تنتظر في مطار كاراكاس الى جانب كدس من الأمتعة التي تحوي مقتنياتها. وحدقت هذه السيدة بالأرض أثناء مغادرتها فنزويلا، موطنها لأكثر من ستين سنة، ولا تعلم ان كانت ستعود يوما ما. لم تمتلك خطة محددة عندما وصلت إسبانيا، حيث ولدت في العام 1949 وهربت خلال سنوات طفولتها عندما كان الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو يحكم تلك البلاد.
لم ترغب بالمغادرة، لكنها وصلت الى سن السبعين وتعاني من أمراض القلب وتعيش وسط أزمة سياسية وانسانية نتيجة لمشاكل نظام الرئيس نيكولاس مادورو، فلم يبق لها خيار سوى الرحيل. تقول مرسيدس: "استطيع العيش بلا رز، واستطيع العيش بلا طحين. لكن ما يقتلني كان رؤية بلادي تتدهور يوما بعد آخر، و رؤية الناس يأكلون من القمامة وينتقلون من صيدلية الى أخرى بحثاً عن علاج، الامر فظيع."
بينما تدفق اللاجئون المنفيون الفنزويليون على الدول المجاورة في أميركا الجنوبية وأميركا اللاتينية، برزت اسبانيا وجهة اختارها كثيرون من الاثرياء، ومنهم هؤلاء الذين هربت عوائلهم من حكم فرانكو.
ازداد عدد الفنزويليين المقيمين في اسبانيا بأكثر من الضعف خلال السنوات الخمس الماضية، وفقا للمعهد الوطني الاسباني للاحصاء. ويستطيع الكثيرون منهم الحصول على الجنسية الاسبانية بناء على أصلهم، وقدم آخرون على برنامج "تأشيرة الدخول الذهبية" الاسباني الذي يمنح الاقامة لأي شخص يستثمر أكثر من 560 ألف دولار في العقارات. أما أصحاب الموارد المحدودة فيستطيعون التقديم على حق اللجوء.
احتل الفنزويليون رأس قائمة المتقدمين على حق اللجوء لدى اسبانيا على امتداد السنوات الثلاث الماضية، اذكلنول قد قدموا أكثر من 19 ألف طلب خلال العام الماضي. أما من توجب عليهم البقاء، فكانت اللغة المشتركة والتشابهات الثقافية عاملاً مساعداً بتسهيل الانتقال. أعاد بعض الفنزويليين لم شملهم مع عوائلهم التي بقيت في اسبانيا أو سبقتهم بالوصول، فمرسيدس على سبيل المثال انضمت الى ابنتها التي قررت قبل سنوات تجربة العيش في اسبانيا.
اختلاف العادات
مع ذلك، يصعب اعادة التواصل مع الوطن الأم الذي كان لسنوات طويلة مجرد ذكرى بعيدة، وتقول مرسيدس وهي جالسة داخل احدى مقاهي مدريد: "تعجبني جوانب من الحياة الاسبانية مثل الخدمات الاجتماعية ومستوى المعيشة، لكن لا أحب كرة القدم والثيران والوقوف في الحانات لتناول الطعام، سأموت فنزويلية."
على غرار السيدة مرسيدس، ولد سيباستيان دي لا نويز في اسبانيا عام 1953 وغادر مع عائلته الى فنزويلا خلال سنوات فرانكو. عاد سيباستيان الى اسبانيا في تشرين الأول 2016، وقبيل مغادرته شهد مواجهة بين طلبة وقوات الشرطة التي أطلقت النار على المحتجين أمام
شقته.
يقول : إن سنواته في فنزويلا مادورو لم تترك لديه أدنى شك بشأن الوحشية المتاصلة للدكتاتورية مهما كان نوعها. لكن والده عمل لصالح الجنرال فرانكو لفترة وجيزة، وسافر سيباستيان مؤخرا الى فيرول البلدة الصغيرة في غاليسيا حيث ولد فرانكو.
الممثلون الدبلوماسيون للمعارضة بين الجالية الفنزويلية المهاجرة في اسبانيا، ويعملون على تلميع السمعة الدولية لخوان غوايدو المعترف به رئيساً شرعياً للبلاد من عدة دول مثل الولايات المتحدة واسبانيا وفرنسا وبريطانيا.
المشكلة كما يقول ويليام دافيلا، سفير غوايدو لدى النمسا وأستاذ الاقتصاد في مدريد، هي : إن الدول الاوروبية ألقت بدعمها خلف السياسي المغمور غوايدو لكنها لا تزال تعترف بسفراء وسفارات الرئيس مادورو. أما أنطونيو ايكاري بوليفار سفير غوايدو لدى مملكة اسبانيا فيقول: "تحدد اسبانيا مسار علاقات فنزويلا مع اوروبا، لذلك نضغط على مدريد للاعتراف نهائيا بنا كسفراء لفنزويلا، ومن ثم فان هذا ما ستفعله بقية الدول الاوروبية، ونحن نأمل حصول ذلك قريبا، لأن الوضع الفنزويلي لا يتحمل أكثر من
ذلك."
أضاف ايكاري أن حكومة مدريد سمحت له بتمثيل الجالية الفنزويلية المتزايدة على اراضيها، والتفاوض على الاستخدام الداخلي لجوازات السفر منتهية الصلاحية كهوية قانونية وادارة اوضاع الأطفال المولودين داخل اسبانيا وقدرة عوائلهم على تسجيلهم قانونيا.
صحيفة واشنطن بوست
الأميركية