برلمان الطلبة.. مبادرة رائدة لتعزيز الثقافة الديمقراطية
بغداد: سرور العلي
على مر الأزمان والتجارب، كان الشباب يشكلون القوة المحركة للتغيير والإصلاح السياسي، ويعبرون عن تطلعاتهم من خلال المشاركة الفاعلة في الانتخابات. لكن الصورة تختلف في العراق اليوم، إذ اختار غالبية الشباب العزوف عن المشاركة في الانتخابات، وهو عزوف يعود في جزء كبير منه إلى غياب الوعي. فالكثير من الشباب يفتقرون إلى الفهم العميق لآليات العملية الانتخابية وأثرها المباشر في حياتهم اليومية، وينظرون إلى الانتخابات كحدث غير ذي معنى، ولا يرون فيها أداة للتغيير الحقيقي.
يقول علي محمد، طالب جامعي (22عاماً): "لم أجد أحداً يمثل ما نطمح له نحن الشباب، لذلك امتنعت عن المشاركة في الانتخابات السابقة، فأصواتنا لم تعد ذات قيمة".
ويؤيده صلاح ابراهيم، عاطل عن العمل (33 عاماً)، بقوله: "عزوفي عن المشاركة في الانتخابات، جاء نتيجة للخوف من تكرار تجارب المراحل السابقة، وعدم تحقيق الوعود التي قطعها المرشحون، لا سيما في ما يتعلق بتوفير فرص العمل".
الباحث في الشأن السياسي، أحمد الهركي، يرى أن التراجع في نسبة المشاركة في الانتخابات، مؤشر سلبي على طبيعة النظام السياسي القائم. وفي حديثه لـ "الصباح"، أكد الهركي ضرورة توعية الشباب بدورهم في إحداث التغيير، وأهمية أن يكون لهم تأثير داخل الأحزاب السياسية، كما يجب أن يكون لهم قرار حقيقي لاختيار ممثليهم في مجلس النواب.
وشدد على "أهمية تحفيز الشباب للمشاركة الفاعلة في الانتخابات المقبلة، عاداً أن دورهم السياسي سيكون له تأثير إيجابي في المستقبل، خاصة ونحن مقبلون على انتخابات مجلس النواب".
المحلل السياسي الأستاذ الدكتور عامر حسن فياض، قال إن "عزوف الشباب عن المشاركة في الانتخابات يعود إلى أسباب عدة متشابكة، أبرزها النظام الانتخابي نفسه، وعدم القناعة بالمرشحين، إضافة إلى مستوى الوعي السياسي لدى الناخب".
وأضاف لـ"الصباح" قائلاً: "الانتخابات في العراق ليست عملية متجذرة في السلوك الاجتماعي والسياسي، خصوصاً لدى فئة الشباب بعد التغيير، إذ لم تسهم نتائج الانتخابات في بناء الثقة بين الناخب والمرشح".
وأشار إلى أنه "غالباً ما تخلف الوعود التي يقدمها المرشحون بعد فوزهم، ما يعزز شعور الشباب بعدم جدوى المشاركة".
كما أن جزءاً من العزوف، والحديث لفياض، يعود إلى تراجع الوعي بأهمية العملية الانتخابية، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة جزء من عزوف عام يشمل أغلب شرائح المجتمع، وهو ما أدى إلى تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات".
وشدد فياض على ضرورة وجود وعي سياسي ومناخ ديمقراطي، فضلًا عن دعم منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والنقابات والجامعات لزيادة الوعي السياسي بين الشباب وتحفيزهم على المشاركة.
وخلص إلى أن مسألة العزوف عن الانتخابات مرتبطة بشكل كبير بمستوى الوعي والثقافة السياسية، وأن زيادة الوعي ستؤدي إلى زيادة نسبة المشاركة، والعكس صحيح.
بدوره، أكد عميد كلية العلوم السياسية في جامعة النهرين، د. أسامة مرتضى السعيدي، أن الشباب يشكلون ركيزة أساسية في بناء الدولة وفي عمليات التحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وفي حديثه لـ "الصباح"، شدد السعيدي على "ضرورة التركيز على نوعية الشباب الذي نتحدث عنه"، مشيراً إلى أن "الشباب الفاعل في التغيير يجب أن يكون من أولئك الذين يمتلكون الوعي، والقدرة، والمهارات التي تؤهلهم للمشاركة الفاعلة في عمليات الإصلاح".
وأضاف أنه "إذا كان الشباب بعيدين عن المسارات العلمية المتقدمة، فسيشكلون عبئاً حقيقياً على عملية التغيير، وقد يخلقون مشكلات في المجتمع بسبب افتقارهم إلى التوجيه والهدف"، مؤكداً أن "بناء جيل مثقف وواع ومتمكن من أدوات التفكير والتعبير والتغيير الإيجابي هو الحل".
ونوه السعيدي إلى "أهمية تكوين قيادات شبابية قادرة على المساهمة الفاعلة في الإنتاج الفكري والمعرفي". وفي هذا السياق، أشار إلى بعض التجارب الناجحة مثل برلمانات الشباب والتنظيمات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني، التي قد تكون بداية لبناء أطر عملية تسهم في إشراك الشباب في التغيير والتنمية.
وفقاً للدكتور مسعد الراجحي، هناك تراجع للشباب في المشاركة بنسبة تكاد تكون كبيرة.
وفي معرض حديثه لـ"الصباح"، قال الراجحي، (دكتوراه في الدبلوماسية والاستراتيجية الدولية)، إن "السبب يعزى إلى محددات عدة، ومنها الأحزاب التقليدية التي تبنت مشروع المحاصصة، فشعر الشاب أنه لا ينتمي إلى المظلة الوطنية، ويرى أن من يتحكمون بالرؤية أو الإدارة السياسية هم غير مؤهلين".
كذلك يرى الراجحي أن "اليأس الذي دب في صدور الشباب حينما وجدوا بأن بعض الأحزاب وعلى مدى عقدين من الزمن لم تحقق لهم أي إنجازات، لا على مستوى الخدمات، ولا على مستوى التأهيل والضمان، ووجدوا بأن تلك الأحزاب دائماً ما تعيد وتكرر التجربة نفسها، وتتبنى تجربة المحاصصة بعيداً عن الرؤية الجماهيرية".
وتابع الراجحي قائلاً: "أصبحت هناك فجوة واضحة بين الشباب وتطلعاتهم من جهة، وبين الواقع السياسي من جهة أخرى، إذ يشعر الكثير من الشباب أن أغلب الأحزاب الحالية تتحكم في الوضع السياسي بطريقة لا تمثل طموحاتهم، ما أدى إلى إحساسهم بالإهمال، خاصة مع افتقارهم لفرص العمل والتوظيف، ما جعلهم يفقدون الانتماء والاهتمام بالمشاركة في الانتخابات".
وأضاف "غياب التحفيز للمشاركة في الانتخابات واختيار الشخصيات الكفوءة بعيداً عن المحاصصة، هو السبب الرئيس في استمرار الوضع الراهن، وهذا يتطلب جهداً جماعياً من الشخصيات المجتمعية مثل أساتذة الجامعات والحقوقيين، الذين يجب أن يتحملوا مسؤولية تحفيز الشباب على المشاركة الفاعلة. كما لا بد من دعم إعلامي قوي لتسليط الضوء على الحركات الشبابية الناشئة، وإيصال صوتهم إلى الجماهير، ليتسنى لهم توضيح مبادئهم وأهدافهم في الساحة السياسية".
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بدأت بتكثيف حملاتها التوعوية والتثقيفية ضمن جهودها لدفع الشباب إلى المشاركة السياسية الفاعلة. آخر هذه المبادرات كانت "برلمان الطلبة"، وهي تجربة تهدف إلى إشاعة الثقافة الديمقراطية بين الشباب وتعريفهم بأهمية المشاركة في الانتخابات والاقتراع، وتعريفهم بآليات العملية الديمقراطية ودورها في رسم مستقبل الأجيال.
استهلت المفوضية مبادرتها بتنظيم عملية اقتراع في إحدى مدارس بغداد لانتخاب "نائبات" يمثلن الطالبات في مناقشة قضايا المدرسة والتحديات التي تواجههن. وقد جرت العملية الانتخابية باستخدام كابينات اقتراع وصناديق انتخابية، مع تسجيل ورقي للناخبات يضم أسماء الطالبات المرشحات، إضافة إلى وجود مراقبين لضمان نزاهة الاقتراع. بعد الانتهاء من التصويت، تم انتخاب رئيسة ونائبة ومقررة، وتم تشكيل لجان من طالبات منتخبات. هذه المبادرة تهدف إلى تعزيز مشاركة الطالبات في اتخاذ القرارات المدرسية ومناقشة القضايا التي تهمهن، مثل تحسين البيئة التعليمية ومكافحة الظواهر السلبية مثل التسرب المدرسي، ما يسهم في تمكين الطالبات ويعزز من مشاركتهن الفاعلة في الحياة المدرسية.
عن هذه التجربة، تقول الطالبة ميساء أحمد، (الصف الرابع الإعدادي): "من الضروري أن يعرف الطلبة حقوقهم وواجباتهم، والتعبير عن رأيهم بكل شفافية".
من جانبها ترى نور رحيم، (طالبة في الصف الخامس الإعدادي)، أن هذا البرلمان، هو حلقة الوصل بين الطلبة وأسرهم، والإدارة المدرسية.
ولفتت سارة قيس، (طالبة في الصف الرابع الإعدادي)، إلى ضرورة تعميم تلك التجربة وديمومتها، لتحقيق نتائج إيجابية في المستقبل، وللحد من المشكلات التي تواجه الطالبات.
وقالت فاطمة محسن، (طالبة في الصف السادس الإعدادي)، "للشباب دور في إحداث التغيير والاصلاح، وتصحيح أي نظام، وهذه التجربة هي فرصة مثمرة للتعبير عن آرائنا، وممارسة حقنا المشروع باختيار من يمثلنا".
وبحسب رئيس الفريق الإعلامي لمفوضية الانتخابات، الدكتور عماد جميل، فإن انشغال الشباب بقضاياهم الحياتية والمعيشية هو أحد الأسباب الرئيسة التي تدفعهم إلى تجاهل القضايا السياسية المصيرية، مثل الانتخابات.
وقال لـ"الصباح": "العديد من الشباب لم يقوموا بتحديث بياناتهم للحصول على البطاقة البايومترية، ما أدى إلى غيابهم عن المشاركة في الانتخابات".
ورغم ذلك، أكد جميل وجود ارتفاع ملحوظ في نسبة المشاركة في الانتخابات مؤخراً، ويرجع ذلك إلى الإنجازات الحكومية وكفاءة عمل المفوضية، حيث سجلت انتخابات إقليم كردستان، التي أشرفت على إدارتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، نسبة مشاركة بلغت 97 % في التصويت الخاص و70 % في التصويت العام. ونعتقد أن هذه النسب ستكون مشابهة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وفي ما يخص تجربة برلمان الطلبة، وصفها المتحدث الإعلامي، بأنها "تجربة نموذجية تهدف إلى إرسال رسائل توعوية للطلبة وأسرهم، ولتعريفهم بإجراءات المفوضية في عمليات الاقتراع، إضافة إلى خلق جيل قيادي قادر على اختيار قادة المستقبل".
وأشار إلى أن المفوضية قدمت في هذه التجربة، جميع المساعدات اللازمة من كابينات اقتراع وصناديق، فضلاً عن سجل ناخبين ورقي يحتوي على أسماء الطلبة في المرحلة المعينة. كما كان هناك مراقبون من المفوضية وغيرها داخل محطات الاقتراع. وقد تم تجنب استخدام الأجهزة الإلكترونية، والاعتماد على النظام التقليدي لمنع أي محاولات للتلاعب.
وأوضح المتحدث عماد جميل سعي المفوضية إلى تعميم تجربة برلمان الطلبة على مدارس أخرى، وتقديم الدعم لإدارات المدارس في هذا السياق، مع إمكانية توسيع الفكرة لتشمل برلماناً على مستوى التربية بدلاً من الاقتصار على مستوى المدارس، مؤكداً "نحن مستمرون في هذا العمل".