التواصل الاجتماعي يعيد زملاء الدراسة إلى حضن الذكريات

ولد وبنت 2024/12/30
...

 بغداد : سرور العلي

قصة ياسر علي الحيدري تمثل نموذجاً حياً للتواصل الإنساني والتآزر بين الأصدقاء رغم بعد المسافات. فهو لم يقتصر على التفاعل البسيط عبر الإنترنت، بل حول وسائل التواصل الاجتماعي إلى أداة لإحياء الذكريات وتعميق الروابط التي لا تمحوها السنوات ولا تفرّقها الحدود الجغرافية.

في عام 2016، قرر ياسر تجميع أصدقائه القدامى وزملائه الذين تفرقوا بعد تخرجهم من ثانوية كلية بغداد، لم يكن يعلم أن فكرة بسيطة ستؤدي إلى خلق شبكة تواصل قوية بين 220 شخصاً من مختلف أنحاء العالم. هؤلاء الأصدقاء الذين كانوا في مرحلة ما جزءاً من حياتهم اليومية، أصبحوا الآن يعيشون متفرقين، بعضهم في دول المهجر.

من خلال هذه المجموعة، استطاع أن يعيد لمَّ شملهم من جديد، فها هم يتواصلون عبر منصات التواصل الاجتماعي بشكل يومي، وأصبحوا يتبادلون الذكريات ويتشاركون لحظاتهم الجميلة والتجارب التي مروا بها في سنوات الدراسة، بما في ذلك التحديات واللحظات المميزة التي عاشوها معاً. بل أكثر من ذلك، بدؤوا في تنظيم لقاءات دورية حيث يلتقون في المناسبات الخاصة لتبادل الأحاديث والذكريات.

في آخر لقاء، أمس، الذي تمَّ في أحد مطاعم بغداد، كان يمثل محطة جديدة لتجديد هذه الروابط. في هذا التجمع، حضر خمسة من الأصدقاء الذين صادف وجودهم في بغداد لزيارة عائلاتهم.. تبادلوا الأحاديث والذكريات الجميلة، وكان الحديث يشمل استذكار أيام المدرسة والتجارب المشتركة، كما تم التطرق إلى التغيرات التي طرأت على مدينة بغداد على الصعيدين العمراني والثقافي، حيث شهدت المدينة تطوراً ملحوظاً في العديد من المعالم.

وفي حديثه لـ"الصباح"، ذكر ياسر أنه أنهى دراسته في كلية المنصور الجامعة في تسعينيات القرن الماضي، وحصل على شهادة البكالوريوس في علوم الحاسبات، ثم أكمل دراسة الماجستير في نفس التخصص من جامعة تيسايد في إنجلترا. وأضاف أنه يعمل منذ 27 عاماً مديراً لإدارة تقنية المعلومات في إحدى الشركات بمدينة ألمانية، مشيراً إلى أن هذه الرحلة الطويلة كانت مليئة بالتحديات والفرص.

من جانب آخر، تحدث بعض الأصدقاء الذين كانوا حاضرين في اللقاء الأخير عن تجاربهم في العودة إلى بغداد، حيث عبروا عن سعادتهم بلقاء بعضهم البعض بعد سنوات من الغربة.

إياد عادل، المقيم في السويد، وهو مصمم مواقع إلكترونية، قال لـ"الصباح": "لقد تغيرت بغداد كثيراً. كانت تتميز بازدحامها وكثرة مطاعمها، لكن شوارعها أصبحت أكثر ازدحاماً الآن" .

أما الإعلامي زياد نهاد، أحد أعضاء المجموعة، فعلق قائلاً: "كانت تجربة رائعة عندما عدنا للقاء في بغداد، فاستعدنا ذكرياتنا المشتركة ومحبتنا الكبيرة. المكان والزمان توقفا بنا عند مرحلة معينة في حياتنا، عندما كنا في بداية الثانوية، وهذا ما جعل اللقاء ذا طابع خاص". وأشار لـ"الصباح" إلى أن اللقاء الأخير في بغداد كان بمثابة العودة إلى الجذور، حيث بدؤوا يجددون العلاقات التي كانت قد تفرقت بسبب 

الغربة.

عمار البلداوي، المقيم في هولندا، ذكر أنه مضت حوالي 29 سنة على مغادرته العراق، قائلاً: "مغادرتنا كانت بسبب الحروب والصراعات التي مرّ بها البلد، وكان هدفنا البحث عن مستقبل أفضل. عدت إلى العراق مرة واحدة في 2004، ورغم ولادة أبنائي في الغربة، كنت دائماً أرسل تقارير عن العراق". وأضاف أنه عندما عاد إلى بغداد مؤخراً، كان يشعر بالقلق من الأوضاع، ولكنه فوجئ بالتطورات الكبيرة التي حدثت، من حيث الأمان والخدمات.

صفاء عيسى، المقيم في أستراليا، تحدث عن تغييرات بغداد، وقال: "غادرت العراق قبل 26 عاماً، وجاءت فكرة اللقاء من رغبتي في رؤية الوطن واصطحاب أطفالي معي." وبشأن ما رآه في العراق اليوم، قال لـ"الصباح": "لقد تغيرت الأماكن التي كنا نعيش فيها كثيراً، ولكن الأمل في رؤية العراق يتطور أكثر في المستقبل 

ما زال قائماً" .

بدوره، عبّر د. غسان الجبوري، الذي يقيم في إحدى الولايات الأميركية، عن سعادته بزيارة بغداد، قائلاً: "فرقتنا الأيام والسنين، ولكن بغداد كانت ملتقى الأحبة الذين عادوا إلى حيث ينتمون" .

وأضاف لـ"الصباح" قائلاً: "بعد أن تركنا بغداد مدمَّرة، وجدناها اليوم في حُلَّة جديدة، مما جعلنا نستذكر أيام الماضي والعلاقات النقية الصادقة التي كنا نتمتع بها". واختتم حديثه بالقول: "شكراً لك بغداد، لأنك عنوان الأصالة والانتماء، فكلُّ من عرفك سيظل وفياً لهذه الأرض الطاهرة" .