ترامب سيواجه شرق أوسط مختلفاً
أماندا تاوب
ترجمة: أنيس الصفار
أدرك المراقبون المتابعون للرئيس المنتخب "دونالد ترامب" منذ وقت بعيد أن من العبث محاولة استقراء قراراته او التنبؤ بسلوكه. لكن على قدر تعلق الأمر بالعلاقات الخارجية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، ثمة سبل يستدل منها أن دورته الرئاسية الثانية سوف تكون مختلفة حتماً عن الدورة الأولى، لأن المنطقة شهدت تغيرات جذرية منذ هجمات حركة حماس الفلسطينية ضد القوات الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول 2023، وهي تلك الهجمات التي أدت إلى خلخلة موازين القوى وأولويات اللاعبين الرئيسيين فيها.
من المستحيل توقع ما الذي سيحدث في الوقت الراهن، ولكن الصحافة والإعلام وسعت من أعمال البرامج وأعداد التقارير عن كل تغيير طرأ على الأحداث التي وقعت خلال فترة غياب ترامب عن الحكم، ويبدو أن هذه قد تكون اللحظة المناسبة لجمع وتأمل بعض ما استخلصوه من نتائج.
هجمات السابع من تشرين الأول
كان هجوم حماس على الكيان صبيحة السابع من تشرين الأول 2023 احد تلك اللحظات الفاصلة التي ينقسم التاريخ عندها إلى "ما قبل" و"ما بعد". ففي ذلك الهجوم لقي مستوطنون في المناطق المحيطة بغزّة مصرعهم بينما وقع آخرون بيد مقاتلي حركة حماس فعادت بهم إلى داخل غزّة كمحتجزين. يقول الكاتب "ستيفن إيرلانجر" إن ذلك الهجوم حطم فرضيات بقيت راسخة لوقت طويل بشأن الصراع الفلسطيني الصهيوني مؤذناً بدخول فترة من عدم اليقين المصطبغ بالعنف.
خلال فترة ترامب الرئاسية الأولى والشطر الأعظم من فترة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن لم تكن مطالب الفلسطينيين بإقامة دولة لهم تحظى باهتمام كبير لدى الدوائر العالمية. فقد كانت الحكومة الإسرائيلية تفرض سيطرتها على الضفة الغربية وتحكم الحصار على قطاع غزّة إحكاماً شديداً بحيث بدا وكأن ذلك الوضع المفروض باقٍ إلى أمد غير محدد.
بيد أن هجوم حركة حماس، والحروب الأخرى وإعادة الاصطفافات التي أعقبته، أدى إلى تغير كل شيء. فقد عادت الولايات المتحدة إلى الانغماس عميقاً في المنطقة، وراحت توفر الدعم العسكري للحرب على حركة حماس في قطاع غزّة وكذلك حزب الله جنوب لبنان. كذلك شدّ الغضب واسع النطاق من نهج تل أبيب الحربي الانتباه مجدداً إلى قضية الدولة الفلسطينية، ذلك لأن هذا النهج أودى بحياة عشرات الألوف من الفلسطينيين وشرّد أكثر من مليون غيرهم وأجبرهم على النزوح.
اختلال التوازن بين إسرائيل وإيران
قبل هجمات حركة حماس يوم 7 تشرين الأول من العام الماضي كانت كل من إيران وغريمتها إسرائيل تعيشان حالة من التوازن القريب من الاستقرار، إلى حد كبير والعنيف احياناً. كان الطرفان مشتبكان مع بعضهما عبر "حرب أشباح خفيّة" ولم يكن اي منهما يسعى إلى اندلاع مواجهة شاملة، كما حافظ الطرفان بدرجة من الدرجات على توازن الردع المتبادل.
إلا أن هذا التوازن أصيب برجّة عنيفة مع انطلاقة هجوم حركة حماس، ثم تقوض بدرجة أشد هذا العام عندما نفذت طائرات إسرائيلية ضربة جوية على مبنى تابع للبعثة الدبلوماسية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، ثم وجهت إليها بعد ذلك عملية اغتيال إسماعيل هنية؛ زعيم حركة حماس لدى وجوده وسط العاصمة الايرانية طهران، فضلا عن تصفية قيادات حزب الله لاحقا. رداً على ذلك شنت إيران هجومين صاروخيين منفصلين واسعي النطاق على تل أبيب في واقعة هي الأولى من نوعها على الاطلاق، فردت غريمتها عليها ذلك الهجوم بضربات موجهة إلى دفاعات إيران الجوية ومنشآت انتاج الصواريخ لديها.
كنا قد ذكرنا في وقت سابق أن الطرفين اخفقا في التوصل إلى معادلة ردع جديدة ضد بعضهما البعض، لذا فإن الصراع بينهما آيل للاِشتداد وهذا قد يفتح الباب أمام دول أخرى للانجرار اليه.
السعودية وإيران: من الحرب الباردة إلى التقارب
على امتداد معظم سنوات عقد ما بعد 2010 كانت كل من السعودية وإيران تتجهان نحو خوض معاركهما بالوكالة كجزء من صور الحرب الباردة في الشرق الأوسط. ووسط هذا التنافس بينهما كان يكمن مفتاح الشيفرة لمختلف الحروب الأهلية والتوترات الطائفية التي شهدتها المنطقة. غير أن هذا كله بدأ يتغير بحلول آذار من العام 2023 عندما توسطت الصين من اجل التوصل إلى اتفاق لإعادة العلاقات بين إيران والسعودية. وكما ذكرت الصحفيتان "فيرنز فصيحي" و"فيفيان يي" خلال تقرير سابق لهما اتفقت الدولتان على إعادة فتح سفاراتهما وإحياء الاتفاق الأمني القديم بينهما والامتناع عن مهاجمة بعضهما، حتى من خلال أطراف ثالثة، بالإضافة إلى تلطيف لغة خطابهما عبر وسائل الإعلام والكفّ عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما. وعبرت الكثير من هذه الوعود عن تطلعات متفائلة أكثر منها حقائق مجسدة، أو كما تصفها "آنّا جاكوبز" كبيرة محللي شؤون الخليج ضمن مجموعة الأزمة الدولية قائلة: "إنني أفضل القول إنه انفراج حذر، أو انفتاح حذر، ورغبة حذرة بالعمل معاً لخفض التصعيد لصالح عموم المنطقة".
خلال الاسابوي الماضية تجلى ذوبان جليد العلاقات هذا بوضوح عندما إلتقى القادة العسكريون السعوديون والإيرانيون من أعلى المستويات في طهران. كما أوردت وكالة الانباء السعودية ان الرئيس الإيراني بيزيشكيان قد تحدث هاتفياً بشكل مباشر مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يعد الحاكم الفعلي للبلاد.
تقول جاكوبز إن هذا الحوار يبعث برسالة قوية المعنى حقاً، لا سيما بعد إعادة انتخاب دونالد ترامب، مفادها أن المنطقة اليوم قد تغيرت تماماً عما كانت عليه خلال دورة ترامب الأولى. كما تضيف جاكوبز بأن: "العلاقات بين السعودية وإيران مختلفة جداً الان."
انتكاس الاتفاق الآخر
قبل هجمات 7 تشرين الأول بدا وكأن المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني كانا على وشك التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، وهو اتفاق كان من شأنه أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط. كان رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" يأمل أن تسفر تلك الصفقة عن انشاء حلف ناتو شرق أوسطي بصورة ما، الأمر الذي كان سيخلق علاقات أمنية أوثق بين حكومته ودول الخليج، على أمل عزل إيران وحلفائها عن التأثير وبشكل أكبر.
لكن الأمور اليوم تبدو مختلفة كل الاختلاف، فقد جعلت الحروب على غزّة ولبنان من الصعب على المملكة العربية السعودية ودول أخرى الاستمرار في محاولة التوصل إلى صفقة مع نتنياهو ما لم يتم انتزاع تنازلات مهمة من حكومته، ربما تشمل الالتزام بإقامة دولة فلسطينية، لكن المعارضة التي يبديها الكنيست لحل الدولتين الان أقوى مما كانت عليه منذ عقود.
كل ذلك، إلى جانب التقارب الإيراني السعودي، يعزز احتمالات قيام نظام إقليمي جديد تصبح تل أبيب فيه هي الأكثر عزلة لا إيران.
غموض ترامب
خلال دورة الرئيس دونالد ترامب الرئاسية الأولى كان هناك كثيرون مقتنعون بالحجة القائلة أنه يمارس ما يطلق عليه "ستراتيجية الرجل المجنون" لمعالجة إدارة الشؤون الخارجية لبلاده. مع ملاحظة أن خلاصة الفكرة هنا هي أن خصومك متى ما صدقوا بأنك مضطرب السلوك عديم الاستقرار إلى حد يجعلك تمضي في تنفيذ تهديداتك مهما تكن العواقب المتوقعة كارثية فسوف يكون احتمال استعدادهم للتراجع هو الأمر المرجح.
لكن إن يكن هنالك شيء من المنطق الستراتيجي في اتباع "ستراتيجية الرجل المجنون" مع الأعداء والخصوم فإن التصرفات الهوجاء غير المنضبطة مع الدول الصديقة يمكن ان تدفع هذه الدول إلى الانسحاب والبحث عن تحالفات أخرى.
خلال العام 2019 وقع هجوم صاروخي على منشآت نفط رئيسية شمل بعض مناطق المملكة العربية السعودية مثل أبقيق وخريص. حينها، اتهمت الولايات المتحدة إيران بتنفيذ تلك الضربة، على الرغم من ادعاء جماعة الحوثي اليمنية المسؤولية عنها. يومها قال ترامب إن ما من سبب يدعو للتسرّع بالرد، لأنه لم يكن راغباً بتوريط الولايات المتحدة في حرب جديدة طرفها ايران، ويبدو ان رده هذا كان له دور بقرار الحكومة السعودية السعي إلى إعادة ضبط علاقاتها مع جارتها إيران، وفقاً لتقرير مجموعة الأزمة الدولية.
قد تأتي إدارة ترامب الثانية معها بمزيد من الإشارات المتضاربة. وكما جاء عبر تقرير للصحفيين "لارا جيكس" و"آدم رازغون" فإن مرشحي ترامب لتولي المناصب العليا لإدارة البعثات الدبلوماسية إلى الشرق الأوسط لا تمتلك خلفية تذكر في السياسة الخارجية، لكنها تشي بالدعم المحموم للكيان الصهيوني.
رغم اتخاذ ترامب موقفاً متشدداً من إيران منذ وقت طويل أجرى "إيلون ماسك"، وهو مستشار مقرّب للرئيس المنتخب، لقاءات مع اثنين من المسؤولين الإيرانيين لمناقشة السبل التي يمكن أن تفضي إلى نزع فتيل التوترات بين إيران والولايات المتحدة، وفقاً لما أورده تقرير الصحفية فيرنز فصيحي.
عن صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية