300 ألف عاملٍ جديدٍ يتزاحمون على سوق العمل سنوياً

ريبورتاج 2024/12/30
...

  بغداد: قاسم موزان


  تصوير: احمد جبارة

تواجه سوق العمل تحدياً كبيراً يتمثل في الفجوة العميقة بين مخرجات التعليم الجامعي واحتياجات السوق الفعلية. فما زالت الجامعات تواصل تخريج أعداد ضخمة من الطلاب في تخصصات بالية لا تتناسب مع متطلبات القطاعات الاقتصادية الحديثة. ومع تزايد أعداد الخريجين في الكليات والمعاهد الحكومية والأهلية، تصبح فرص العمل المتاحة في القطاع العام شحيحة للغاية، ما يُجبر الخريجين على مواجهة واقع مرير من الفرص الضائعة.

هذه الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات السوق تدفع العديد من الخريجين العاطلين عن العمل، إلى جانب الشباب بشكل عام، للبحث عن فرص في القطاع العام الحكومي، رغم أن هذا القطاع لم يعد قادراً على توفير الفرص كما كان في السابق. وفي ظل هذا العجز، يظل الخريج يتوق إلى العمل المكتبي المريح الذي كان يمثل الطموح التقليدي لمعظم الخريجين.

التدريسي في جامعة بغداد أ.د احمد البرزنجي بين لـ"الصباح": ليس من الضروري التعيين في دوائر الدولة لكن بالإمكان دعم القطاع الخاص، أي دعم العاملين في المهن البسيطة، وهذا يتصل بالتوقيفات التقاعدية لصندوق التقاعد أو الضمان، كما هو معمول به في دول أخرى، وفي النهاية يتسلم الشخص راتباً مجزياً، أما في العراق فالأمر يحتاج إلى تشريعات فاعلة تدعم القطاع الخاص، ولفت البرزنجي إلى امكانية الدولة بتوفير فرص العمل للشباب في مشاريع الإعمار والاستثمار.

أما التدريسية في كلية تربية البنات جامعة بغداد أ.د مروج مظهر عباس، فأشارت في مستهل حديثها إلى تصريح السيد رئيس الوزراء (لا يمكن للدولة أن توظف جميع الأعداد الهائلة من الخريجين) في إشارة واضحة إلى تزايد أعدادهم وعدم حصولهم على وظائف.

وتضيف لـ "الصباح" أن الكثير يعتقد بأن الوظائف الحكومية مخرج وحل لمشكلة البطالة، وهو اعتقاد خاطئ، لذا من الضروري أن نعزز دور القطاع الخاص في توظيف الكفاءات لتكون مصدراً مهماً لفرص العمل وتحسين الدخل وتعزيز الاقتصاد، لافتة في هذا الصدد إلى ضرورة تحقيق التوازن بين القطاعين العام والخاص لبناء استراتيجيات تعزز النمو الاقتصادي وتدعم قطاع الأعمال من خلال استثمار الطاقات الشبابية، فضلاً عن توظيف الكفاءات وتوفير فرص عمل مرنة عوضاً عن العمالة الأجنبية.

ولفتت إلى أن البطالة لم تعد مجرد مشكلة اقتصادية بل لها تأثير في حياة الفرد اليومية، وشكلت تحدياً كبيراً في تحقيق التنمية والاستقرار.


مناهج التعليم

بصدد مخرجات التعليم ومدى ملاءمة المناهج الدراسية مع متطلبات سوق العمل، أوضح التدريسي في جامعة المعارف الأهلية، كلية العلوم الإدارية والمالية، فاضل محمد علي: يمكن أن نقسم سوق العمل في القطاع الحكومي وسوق العمل في القطاع الخاص، فضلاً عن دراسة الطالب لقضايا الاستثمار وما يحتاجه سوق العمل من دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع ومعرفته بالفرص الاستثمارية المتاحة، وبصدد سوق العمل في القطاع الحكومي توجد مواد لها ارتباط قوي جداً، لا سيما الدراسات المحاسبية والتدقيقية وكذلك في القطاع الخاص.


تشخيص ومناشدة 

يؤكد الأكاديمي الدكتور زكريا حسن، أن "المؤسسات التعليمية لم تتمكن من تكييف مخرجات التعليم الجامعي لتلبية احتياجات سوق العمل الفعلية، خاصة في ظل الحاجة المتزايدة للأيدي العاملة المؤهلة، وهو ما يتجسد في تزايد تدفق العمالة الأجنبية".

ويقترح حسن، استنادًا إلى بيانات وزارة التخطيط حول النمو السكاني، والتركيبة الاجتماعية، ومشاريع التنمية، أن تتم إعادة تأهيل الخريجين من خلال منحهم فرصاً تدريبية وفرص عمل في القطاع العام لفترة محددة (مثل ثلاث سنوات)، مقابل أجور مقبولة، مع منحهم شهادة خبرة تؤهلهم للعمل في القطاع الخاص. وشدد على أهمية أن تأخذ الحكومة دورها في هذا الجانب، إذ يمكن أن يكون لها دور كبير في الحد من البطالة، وتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد.

كما يدعو حسن إلى ضرورة إعادة النظر في سياسة منح الرواتب، وتشجيع الشباب المستفيدين من الرعاية الاجتماعية على تحويل أنفسهم إلى مبادرين أصحاب مشاريع خاصة، من خلال تأهيلهم ومنحهم قروضًا ميسرة لإنشاء مشاريعهم الخاصة، ما سيسهم في تحفيز الإنتاج ودعم الاقتصاد الوطني.


التوظيف.. مشكلة متوارثة

تعد الثقافة السائدة في المجتمع العراقي عن فرص العمل في القطاع العام بمثابة مفهوم متوارث، حيث ينظر إلى الوظيفة الحكومية على أنها الفرصة الأكبر والأكثر ضمانًا، في ظل شح الفرص المتاحة في القطاع الخاص. هذه الثقافة أدت إلى تزايد البطالة المقنعة في القطاع العام، وهي ظاهرة بارزة في العديد من المؤسسات الحكومية. يضيف الدكتور جبار حسين صبري، خبير التنمية البشرية في وزارة الثقافة، أن هذه النظرة تخلق نوعًا من الركود الفكري، حيث يقتصر تفكير الشباب على البحث عن الوظائف الحكومية فقط، بينما يتم إهمال فرص العمل التي قد يوفرها القطاع الخاص.

ويؤكد صبري ضرورة تغيير بوصلة الوعي نحو القطاع الخاص، من خلال التثقيف بأهمية الإنتاج السلعي، لما له من علاقة وثيقة بـالسيادة الوطنية، والأمن الاجتماعي، والسلم المجتمعي. كما شدد على أن العمل يجب أن يُنظر إليه ليس فقط كـحاجة مالية، بل أيضًا كـواجب وطني يسهم في دعم الاقتصاد الوطني وتنمية المجتمع.


البديل وقصص النجاح

فرح عدنان، خريجة لغة إنكليزية منذ أربع سنوات، لم تجد فرصتها في القطاع العام، لذا قررت التوجه نحو العمل في الشركات العاملة ضمن القطاع الخاص. وعملت في مجالات متعددة مثل الترجمة، والتدقيق اللغوي، والتعليم. وتقول: "لقد وجدت أن هناك بدائل عديدة وفرص عمل متزايدة في القطاع الخاص، خاصة من خلال التعاون مع الشركات المحلية والتدريبات المتاحة، إضافة إلى مناهج التعليم المجانية التي تسهم في تطوير المهارات اللازمة". وأضافت: "كما أن التطبيقات الالكترونية تلعب دوراً كبيراً في توفير فرص مهنية حقيقية، حيث أصبحت مثل هذه المنصات مجتمعاً وظيفياً متكاملاً يتيح التواصل مع أصحاب العمل والخبراء في مختلف المجالات، ما يسهل عملية البحث عن فرص العمل وتعزيز التوظيف في القطاع الخاص".

300 ألف عامل جديد

صرح المتحدث الإعلامي باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، في حديثه لـ "الصباح"، بأن سوق العمل في العراق تشهد سنويًا دخول ما لا يقل عن 300 ألف عامل جديد، بينهم الخريجون من الكليات الأهلية والمعاهد، إضافة إلى فئات أخرى من الشباب غير الخريجين. وأشار إلى أن هذه الأعداد الكبيرة تفرض تحديًا كبيرًا على السوق التي تحتاج إلى استيعاب هذه الأيدي العاملة لتقليل نسب البطالة، وهو ما يتطلب خلق فرص عمل حقيقية في إطار خطة التنمية الخمسية.

وأوضح الهنداوي أن خطة التنمية تستهدف خفض معدلات البطالة التي تصل حاليًا إلى أكثر من 14%، وأكد أن هناك مساعي حثيثة لتقليص البطالة دون التأثير على معدلات التضخم أو الشرائح الفقيرة، مع الحفاظ على استقرار النمو السنوي للسكان الذي يقدر بنحو 2.5% أو أقل. كما لفت إلى أن نتائج التعداد السكاني أظهرت انخفاضًا طفيفًا في معدل النمو السنوي للسكان إلى 2.3%، ما يتطلب إجراءات إضافية لاستيعاب هذه الأعداد وتوفير فرص عمل ملائمة.

وفي سياق آخر، أشار الهنداوي إلى الدور المحوري الذي يلعبه القطاع الخاص في تحقيق أهداف خطة التنمية، حيث تشير المعطيات إلى أن الاستثمار في القطاع الخاص سيشكل نحو 35% من إجمالي الاستثمارات، مقابل 65% للقطاع الحكومي. ورغم أن النسبة لصالح القطاع العام، إلا أن هذه النسبة تعد بداية جيدة توفر للقطاع الخاص مساحة للنمو والمساهمة في التنمية الاقتصادية.


تطوير القطاع الخاص

وأضاف الهنداوي أن الحكومة شكلت مؤخرًا مجلسًا دائمًا لتطوير القطاع الخاص، والذي يتولى رئاسته رئيس الوزراء ويضم 33 عضوًا يمثلون مختلف الفعاليات الاقتصادية. ويُعتبر هذا المجلس خطوة مهمة نحو تعزيز دور القطاع الخاص، إذ سيتيح له فرصة المشاركة في رسم السياسات الاقتصادية واتخاذ قرارات استراتيجية تُسهم في تحقيق الشراكة الفعالة بين القطاعين العام والخاص.