{إحنه بظهركم} درع الأمان في مواجهة الابتزاز الإلكتروني
بغداد: سرور العلي
في ظل الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي وتزايد استعمال الأجهزة الذكية، أصبحت البيانات الشخصية والمعلومات الحساسة متاحة بشكل أكبر من أي وقت مضى، ما يجعلها عرضة للاستغلال من قبل المبتزين، إذ يتزايد استخدام هذه التكنولوجيا في ارتكاب جرائم الابتزاز الإلكتروني، حيث يستخدم المجرمون المعلومات والصور والبيانات التي يتم جمعها من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لتهديد الضحايا.
ورغم الانخفاض النسبي في عدد ضحايا الابتزاز الإلكتروني خلال الأشهر الأولى من العام 2024، إلا أن الأرقام والإحصائيات المعلنة ما زالت تشكل هاجسا وتجعل العديد من الأفراد، خصوصا الفتيات والشباب، في حالة من القلق الدائم بشأن تهديدات الأمن الرقمي.
وبحسب بيانات رسمية، فإن الأجهزة المختصة سجلت (1355) شكوى خلال عام واحد لفتيات وقعن ضحايا للابتزاز الإلكتروني.
وفي حديث لـ"الصباح"، حذرت التدريسية في كلية الإعلام، د. ريا قحطان من المخاطر الكبيرة التي تواجهها الفتيات نتيجة الابتزاز الإلكتروني. وأكدت أن العديد من الفتيات وقعن في فخ هذه الظاهرة، حيث اضطر بعضهن إلى سرقة مبالغ مالية من أسرهن أو بيع مصوغاتهن الذهبية لتسديد الأموال للمبتزين. وأضافت قحطان: "رغم تلبية هذه المطالب، إلا أن المبتزين غالباً ما يستمرون في تهديداتهم ويطالبون بمزيد من الأموال"، مؤكدة أن هؤلاء الأشخاص "فاقدون للكرامة والشرف" ولا يتوقفون عن الابتزاز.
وأوضحت أن من أهم الأسباب التي تسهم في انتشار هذه الظاهرة هو تواصل الفتيات مع أشخاص غرباء عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتعرضن للاستدراج بسهولة من قبل المبتزين، خصوصاً في حال غياب التوعية الكافية أو الحصانة النفسية التي تمنعهن من التفاعل مع الأشخاص غير الموثوقين، مشيرة إلى أن الأسرة تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا السياق، حيث يجب أن تلعب دوراً أساسياً في توعية الفتيات بمخاطر هذه الظاهرة، وكيفية التعامل مع الغرباء، سواء في العالم الحقيقي أو الافتراضي. كما شددت على أن حملات التوعية المستمرة تعد من أبرز الأدوات التي يمكن خلالها الحد من جرائم الابتزاز الإلكتروني. وأكدت أنه لا بد من ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم إلى العدالة، للحفاظ على سلامة المجتمع وأمن الأفراد.
وفي ختام حديثها، أكدت د. ريا ضرورة التعاون بين الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والأجهزة الأمنية لمكافحة الابتزاز الإلكتروني. فالتكامل بين هذه الأطراف، بحسب المتحدثة، يعزز الوعي المجتمعي ويسهم في تقليص أعداد الضحايا، الأمر الذي يسهم بدوره في بناء مجتمع آمن، خصوصاً بالنسبة للشباب والفتيات الذين هم الأكثر عرضة لهذا النوع من الجرائم.
وعلى الرغم من أن الأجهزة الأمنية تقوم بدور كبير في مكافحتها، إلا أن التوعية المستمرة والتثقيف الشامل حول مخاطر الإنترنت وطرق الحماية تُعد العامل الرئيس في الوقاية من الابتزاز، وهو ما تسعى إلى تحقيقه الجهات المعنية في جهاز الأمن الوطني وتشكيلات وزارة الداخلية.
وفي هذا الصدد، يقول المتحدث باسم جهاز الأمن الوطني، أرشد الحاكم لـ"الصباح": إن الابتزاز الالكتروني يعد أحد الملفات الأساسية التي يعمل عليها جهازنا، وحقق نتائج جيدة من خلال حملة "إحنه بظهركم"، وفكك العديد من شبكات الابتزاز التي كانت تستهدف مواطنين أو مسؤولين وصولاً إلى الابتزاز الذي يستهدف الفتيات وطالبات المدارس بالتحديد.
ورغم هذه الجهود، يقول الحاكم: "الحاجة تبقى قائمة للتوعية حول مخاطر هذه الظاهرة وكيفية الوقاية منها، وهذا الهدف دفع بجهاز الأمن الوطني إلى إطلاق أكبر حملة توعوية على مستوى العراق".
وأوضح أن الحملة انطلقت العام الماضي في بغداد وهذه السنة امتدت لبقية المحافظات، واستهدفت مئات الآلاف من الطالبات، وحققت نتائج إيجابية.
وأكد استمرار تنفيذ الحملة في المدارس بشكل يومي، من محورين، الأول هو تعليم الطالبات كيفية الوقاية من الابتزاز قبل وقوعه، والمحور الآخر هو الخطوات الواجب اتخاذها إذا حصل الابتزاز، مبيناً أن هذه الحملة أسهمت في زيادة الوعي لدى الطالبات، وتشجيعهن على الابلاغ عن أي حالات ابتزاز يتعرضن لها.
وكشف الحاكم "قمنا بتسجيل أكثر من 200 شكوى مباشرة من قبل الطالبات، وهنالك محاضرات توعوية تثقيفية تعطى داخل المدارس، وأفلام تعرض عليهن بهدف توعيتهن حول مخاطر تلك الظاهرة".
وأشار إلى أن جهاز الأمن الوطني شكل فريقاً خاصاً من الضباط والضابطات، الذين خضعوا لدورات تدريبية مكثفة في مجال الأمن السيبراني ومكافحة الابتزاز الإلكتروني، يعمل يومياً على توعية الفتيات والملاكات التدريسية، ونقل الرسائل التوعوية إلى الأسر، موضحاً أن هذا الفريق يخضع لإشراف مباشر من رئيس الجهاز، كما قام بتوفير المواد اللوجستية اللازمة لإنجاحها.
وعد الحاكم هذه الحملة إنجازاً نوعياً لجهاز الأمن الوطني، حيث إنها تركز على التوعية والوقاية بدلاً من العمليات الأمنية التقليدية، من خلال توفير أرقام هواتف مخصصة للتواصل مع الضابطات، ما يتيح للفتاة فرصة للتحدث بحرية تامة حول مشكلاتها، مع ضمان سرية المعلومات المتبادلة، كما أن الحملة تتضمن فرقاً فنية وقانونية جاهزة للتعامل مع الشكاوى بشكل فوري وعاجل.
بدوره، أوضح اللواء خالد المحنا، مدير دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية، في تصريح خاص لـ"الصباح" أن جهاز الشرطة المجتمعية يولي اهتماماً كبيراً بمكافحة جرائم الابتزاز الإلكتروني من خلال إطارين رئيسين، الأول يتضمن مساعدة الضحايا واكتشاف مرتكبي هذه الجرائم وتخليص الضحايا منهم، بينما يركز الإطار الثاني على التوعية والتثقيف، بما في ذلك إرشاد الشباب والشابات حول كيفية تأمين حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. ويتم ذلك من خلال محاضرات توعوية في المدارس، إضافة إلى استخدام وسائل الإعلام المختلفة لنقل النصائح والإرشادات.
وأضاف المحنا أن "الشرطة المجتمعية نجحت في تنفيذ هذه المهام بفعالية، من خلال آليات عمل مرنة، أبرزها عدم الحاجة لحضور الضحية أو المشتكي إلى مقرات الدائرة. حيث يدرك أن الكثير من الضحايا يخشون الحضور إلى مراكز الشرطة، لذلك توفر الشرطة المجتمعية خطاً ساخناً لتلقي البلاغات، ويتم اتخاذ الإجراءات اللازمة عبر الاتصال الهاتفي لضمان سلامة الضحايا، وضمان معالجتهم من التهديدات التي قد يتعرضون لها من المبتزين".
حملة "احنه بظهركم" تعبر عن رسالة دعم وتضامن من الجهات الأمنية، خاصة الأمن الوطني والشرطة المجتمعية، للأفراد الذين يتعرضون لمواقف صعبة مثل الابتزاز الإلكتروني، وفقاً للعميد علي عجمي رسول مدير الشرطة المجتمعية، الذي أفاد لـ"الصباح" بأن الحملة تهدف بالأساس لتثقيف المجتمع حول مخاطر الابتزاز الإلكتروني وكيفية الوقاية منه،ولا سيما الفتيات، ونشر المعلومات عن السلوكيات الآمنة عبر الإنترنت، كحماية الحسابات واستخدام كلمات مرور رصينة، وتقديم الدعم اللازم للضحايا وتشجيعهم على الإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية، مع التأكيد على سرية المعلومات لحماية خصوصية الضحية.
وأضاف رسول أن "الشرطة المجتمعية تعمل على بناء الثقة بين أفراد المجتمع والجهات الأمنية، لضمان بيئة إلكترونية آمنة، لذلك نتعامل مع الشكاوى بسرعة وفعالية، إذ لدينا قنوات سهلة للإبلاغ كالخطوط الساخنة، والتطبيقات والمواقع الإلكترونية، بالتنسيق مع الجهات المتخصصة، والتعاون مع فرق الجرائم الإلكترونية، لتتبع الجناة وجمع الأدلة الرقمية، والعمل مع المؤسسات التعليمية والإعلامية لنشر الوعي حول الابتزاز الإلكتروني، وتطبيق القوانين بصرامة ضد مرتكبي هذه الجرائم".
ولفت إلى تأكيد الشرطة المجتمعية باستمرار على تجنب مشاركة المعلومات الشخصية أو الحساسة عبر الإنترنت، وعدم الرد على التهديدات الإلكترونية والإبلاغ عنها فوراً، وتحديث برامج الحماية واستخدام المصادقة الثنائية للحسابات.
وبشأن جريمة الابتزاز الإلكتروني إن كانت مشمولة بمكافحة قانون جرائم المعلوماتية المرحّل، أوضح د.رائد المالكي، عضو اللجنة القانونية النيابية لـ"الصباح": أن "التشريع العراقي الجنائي تحديداً لم ينص بشكل صريح على جريمة الابتزاز الإلكتروني، كون هذه الجريمة بصورها الحديثة رافقت استخدام التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي".
وأضاف قائلاً "كان لا بد من تحديث التشريع العراقي، والدول الأخرى عدلت أو صدرت قوانين جديدة، لمعالجة ومعاقبة الجناة"، مشيراً إلى أن العراق يطبق حالياً نص المادة 452 لمعالجة مثل هذه الجرائم، وهو في الحقيقة يقتصر على جرائم الابتزاز المالي، والذي تتراوح أحكامه بالسجن لمدة سبعة أعوام أو أقل أو تكتفي بعقوبة الحبس.
وأضاف المالكي "بالتالي لابد من معالجة جديدة لموضوع الابتزاز الإلكتروني، ومن هنا وردت معالجات حديثة للموضوع في قانون جرائم المعلوماتية الموجود حالياً في البرلمان، لكن لم تتم المباشرة أو المضي بقراءته قراءة ثانية، من أجل عرضه للتصويت".
وشدد المالكي على أن مجلس النواب يعتزم مع بداية الفصل التشريعي المقبل، التصويت على القانون، من أجل معالجة جرائم الابتزاز، وغيرها من الجرائم الرقمية.