أنغولا تكافح للحفاظ على الظبي العملاق

بانوراما 2024/12/31
...

 ميشيل كوهان

 ترجمة: بهاء سلمان

 

بقرونها الطويلة المزخّرفة وبنيتها العضلية، يفرض الظبي الأسود العملاق مشهداً مهيباً، ونادراً في نفس الوقت.

هذا الظبي تحديدا، المتوطّن فقط في أنغولا، الواقعة ضمن جنوب غرب إفريقيا، مهدد بالانقراض بشكل خطير، إذ لا تزيد أعداده عن بضع مئات فقط. وبينما لا يزال وضعه محفوفا بالمخاطر، فإن الظبي الأسود العملاق يمثل قصة نجاح رائعة فيما يخص الحفاظ على البيئة، مع إعادة  حيوان منقرض تقريبا من حافة الهاوية.


تم اكتشاف الظبي الأسود العملاق لأول مرة مطلع القرن العشرين وأصبح الحيوان الوطني لأنغولا. ومع ذلك، وبسبب قرونه المذهلة، سرعان ما أصبحت الظباء هدفا للصيادين، كما يقول عالم البيئة الأنغولي المعروف "بيدرو فاز بينتو".

خلال العام 1975، ساءت الأوضاع عندما شهد البلاد اندلعت حربا أهلية بعد استقلالها عن البرتغال. وعلى امتداد 27 سنة، دمّر الصراع الحياة البرية للبلاد، ولم يكن الظبي العملاق مستثنى من ذلك. فتسبب الحرب بالصيد الجائر المكثّف للحصول على لحم الحيوان وقرونه؛ كما أدى الافتقار إلى الموطن الطبيعي، وعدم فرض اجراءات للحفاظ على الحيوان، إلى تفاقم المشكلة.

"لم يكن أحد يعرف حقا ما إذا كان الظبي العملاق قد نجا من الحرب الأهلية،" بحسب العالم بينتو لأنه مختص بشؤون الحياة البرية لهذا الحيوان وغيره عبر جميع أنحاء إفريقيا، وصار مهتما بمحنة الظبي العملاق لعدم اهتمام أحد به؛ ويضيف: "إستغرق الأمر سنوات حتى انجذبت أخيرا إلى الأمر تماما، وبعد ذلك لم تكن هناك عودة إلى الوراء."


أين الذكور؟

في عام 2003، نظّم بينتو فريقا صغيرا للتحقق من احتمال بقاء أية أعداد من الظبي العملاق. إنطلق الفريق بشاحنة صغيرة وقادوا عبر متنزه كانجاندالا الوطني، في شمال البلاد، حيث أبلغ السكان المحليون عن مشاهدات لهذا الحيوان. حيث قام الفريق بتركيب كاميرات عبر أنحاء المنطقة التي تقدر مساحتها 630 كيلومترا مربعا. وبعد مرور عام، أثبتت الصور وجود عدد قليل من تلك الحيوانات، لكن اكتشف بينتو لاحقا أنها كانت جميعها من الإناث.

يقول بينتو: "لقد استغرق الأمر بعض الوقت لكي استوعب حقيقة ما كان يحدث؛ كان هذا انقراضا، بل دوامة إنقراض، تحدث أمام أعيننا. كنا بحاجة إلى حيوان ذكر." بعد فترة وجيزة، أنشأ الناشط البيئي مشروع الحفاظ على الظبي العملاق لبدء بحماية الأنواع وتعزيز أعدادها. واعتمادا على حدس فقط بلا دليل، سافر عالم الأحياء وفريقه إلى محمية لواندو الطبيعية المتكاملة، وهي موطن بعيد ومتنوّع بيولوجيا، حيث كان من المعروف سابقا أن الظباء العملاقة تعيش فيه.

وفي العام 2009، وبواسطة الحمض النووي الذي تم جمعه من خلال عينات الروث، حددوا أن ذكرا واحدا على الأقل يعيش في المحمية. إستقل بينتو وفريقه طائرة هليكوبتر للبدء بالبحث، وقرروا التركيز على المكان الذي تم جمع العيّنة منه.

يتذكّر بينتو قائلا: "بينما كنا متوجهين نحو المكان، وجدنا حيوانا ذكرا أسود عملاقا يقف هناك في المكان نفسه تماما. لذا كان الأمر أشبه بالسحر، وبعد عدة أيام وجدنا ستة ذكور أخرى." تم نقل أحد الذكور إلى كانجاندالا عبر طائرة هليكوبتر ووضعه في محمية مسيّجة مع الإناث لتسهيل عملية التكاثر.

يقول بينتو إن محمية كانجاندالا تضم اليوم نحو 100 حيوان، ولا يزال هذا العدد بتزايد؛ كما يراقب فريقه أيضا الظباء المتجوّلة المتجوّلين في لواندو من خلال أطواق نظام تحديد المواقع العالمي والطائرات بدون طيار. "لا تزال المنطقة تتعرّض لضغط هائل من الصيد الجائر. لدينا خمسة قطعان من الظباء متبقية، لذا نحاول الاحتفاظ بها بطوق يعمل وفقا لنظام تحديد المواقع العالمي مفعل طوال الوقت حتى نتمكّن من توفير بعض الحماية لتلك المنطقة."


منع الانهيار

قبل استقلال أنغولا، كانت أعداد الظباء العملاقة تقدر بنحو 2500 حيوان، ومسألة استعادته إلى هذا المستوى ستستغرق بعض الوقت. يقول العالم بينتو: "أعتقد أنه يمكننا تحديد هدف قصير إلى متوسط المدى لإعادة الحيوانات إلى 500، وربما في المدى البعيد 1500 حيوان."

ويتملّك بينتو شعور بالفخر مع اشارته إلى أنهم قد أعادوا الحيوان من حافة الانقراض، لكن تفاؤله يبقى حذرا بشأن وضع الظباء. "لا يمكن إنكار أننا أحرزنا الكثير من التقدّم، ولكن إذا توقفنا، وإذا لم نفعل شيء، فقد ينهار كل شيء."

يشغل بينتو أيضا مسؤولية إدارة مؤسسة كيساما، وهي منظمة غير حكومية تركّز على الحفاظ على الحياة البرية والتعليم البيئي في البلاد. ويقول زميله "فلاديمير روسو" إن تعليم السكان المحليين والأجيال الأصغر سنا حول أهمية الحياة البرية يشكل جزءا أساسيا للمساعدة في الحفاظ ليس فقط على الظبي العملاق، بل على جميع الأنواع، ويضيف: "نحاول حقا زيادة الوعي عبر ورش العمل، والعمل مع المجتمعات والمؤسسات المختلفة، ونقوم بإنتاج عدد من المواد من الملصقات والمنشورات والكتب والألعاب."

يود بينتو أن يمنح كل أنغولي فرصة لرؤية الظبي العملاق عن قرب: "إنها تجربة قوية للغاية ويمكنني أن أرى الناس يتغيّرون بعد ذلك. لقد أصبحوا أكثر انسجاما مع الحاجة إلى حماية الظباء واستيعاب الجهود البيئية التي نبذلها." 

ولأجل التواصل مستقبلا، يعتقد بينتو جازما أن الإدارة والتمويل والتدريب ضرورية لمواصلة استعادة أعداد الظباء العملاقة. "إنها أشبه برحلة مليئة بالتحدّيات، والنكسات، ولكن الكثير من الإنجازات أيضا. آمل حقا أن يتم تكرار ما نفعله مع الظبي العملاق على نطاق أوسع في جميع أنحاء البلاد."


وكالة سي أن أن الأميركية