أشهر كهوف اليونان الأثريَّة ينتظر افتتاحه

بانوراما 2024/12/31
...

 روزماري جايلز

 ترجمة: شيماء ميران


تعد اليونان المنطقة التي ازدهرت فيها البشرية، ولها ماضٍ حافل وعلى نحو لا يصدق. يمكن أن ترى ذلك بوضوح في كهف "ثيوبترا" المذهل، الذي يقع في بلدية "ميتيورا" بمقاطعة "ثيسالا". وتشير الادلة في هذا المكان إلى أن الإنسان سكن المنطقة منذ أكثر من مئة وثلاثين ألف سنة، ليقدم للباحثين وسيلة لتقصيّ التاريخ البشري عبر فترات متعددة.

يقع كهف "ثيوبترا" خارج حدود مدينة ميتيورا ضمن منطقة مشهورة باليونان، لكنه على مسافة قريبة ويمكن الوصول اليه سيرا على الاقدام، وجاءت تسميته نسبة لاسم المدينة القريبة منه. كانت "ثيساليا" تسمى في الاصل "أيوليا"، وهي مملكة جزيرة "ايولوس" ملك الرياح الذي زارها اوديسيوس حسب ملحمة "الأوديسة" الأسطورية لشاعرها هوميروس، وقد جاء ذكرها في هذه الملحمة. ودار "ايولوس" في سهلها، الذي شهد المعركة الاسطورية بين الاولمبيين (الاثني عشر آلهة الرئيسة في البانتيون اليوناني) والتيتانيين (عِرْق الآلهة الاقوياء الذين حكموا الأرض خلال العصر الذهبي). ويضم الكهف متحفا مخصصا للموقع وسط القرية.


أعمال الحفر

يمكن الوصول إلى الكهف من منحدر تلة كبيرة قوامها الحجر الجيري، والتي تطل على قرية وعدد من الأنهار القريبة. ورغم أن الإنسان سكن الكهف لفترة طويلة من الزمن، لكن التلة تكونت قبل الوجود البشري بوقت طويل ما بين 65 و137 مليون سنة. تبلغ مساحة الكهف من الداخل ما يقارب خمسمئة متر مربع مع مدخل واسع بعرض سبعة عشر مترا، مسدود جزئيا بجدار حجري.

رغم أنه ليس من الواضح متى تمت إعادة اكتشاف الكهف، إلا أن البحث الرسمي عنه بدأ سنة 1987. كان رعاة الأغنام يستخدمونه قبل تلك الفترة كمكان يُبقون اغنامهم فيه متى ما احتاجوا لذلك. ثم تم منعهم من الدخول إلى الكهف، لغرض البدء بأعمال الحفر وتحت إشراف الباحثة "نينا كيباريسي أبوستوليكا"، التي كانت تأمل الوصول إلى إجابات عن ماهية المنطقة قديما، لا سيما خلال العصر الحجري القديم.

ما أصبح واضحا اثناء البحث هو أن كهف "ثيوبترا" يحتوي على مجموعة رائعة من البقايا الثقافية التي تعود إلى الفترة الممتدة من العصر الحجري القديم إلى العصر الحجري الحديث. كما تمكنت الباحثة الدكتورة "أبوستوليكا" برفقة فريقها من فحص طبقات الرواسب لتحديد العوامل المناخية المتغيرة طوال هذا الوقت. وكان يأتي مع كل تغيير فرق ملحوظ في عدد الاشخاص الذين كانوا يتخذون من الكهف موطنا لهم.


أثر الوجود البشري

اتاحت الأدلة التي عُثر عليها في كهف "ثيوبترا" امكانية تتبع التغييرات التي طرأت على المنطقة عبر آلاف السنين من السكن البشري. ولم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى أدرك العلماء أن الإنسان القديم كان يستخدم هذه المساحة، إذ عثر على عظام بشرية في جميع أنحاء الكهف. وعند تحليل البقايا في كهف "ثيوبترا" تبين انه كان مسكونا باستمرار منذ 135 ألف سنة إلى حدود أربعة ألاف سنة قبل الميلاد. وكان مأهولا بشكل متقطع خلال القرون الاخيرة، حتى العام 1955.

في العام 2016، استُخرج الحمض النووي من عظام شخصين مختلفين مدفونين داخل الكهف، ويعود تأريخهما إلى ما بين 7500 إلى 6700 سنة قبل الميلاد. وبالإضافة إلى تحديد الفترة الزمنية للاستيطان البشري في الكهف، وجدت "أبوستوليكا" وزملاؤها عددا من الادوات الحجرية والفخار وعظام الحيوانات والعديد من المدافن البشرية.

المذهل في الأمر، أنهم عثروا على بعض اقدم آثار الاقدام البشرية المعروفة، والتي يعود تاريخها إلى العصر الحجري القديم، فضلا عن أدلة تشير إلى  إضرام الانسان موقد النار. ووفق مظهرها، فآثار الاقدام هذه تعود إلى مجموعة اطفال تتراوح أعمارهم بين عامين وأربعة أعوام، وكانوا يتخذون الكهف موطنا لهم.

لم يضم الكهف أقدم آثار الاقدام البشرية في اوروبا فقط، بل ضم اقدم هيكل معروف كان قد صنعه الانسان القديم، لقد خضع الجدار الحجري امام المدخل إلى اختبار يسمى (قياس التوهج المحفز بصريا)، والذي كشف أنه ربما تم بناؤه لغرض منع الرياح من الدخول للكهف اثناء الطقس البارد خلال العصر الجليدي.

يشغل كهف "ثيوبترا" محبي التاريخ القديم ويهتمون بزيارته والتجول فيه، ولكن لسوء الحظ، لم يعد متاحا أمام الزائرين منذ فترة. إذ اُفتتح لاول مرة سنة 2009 ثم اُغلق بعد فترة وجيزة حتى يتمكن الباحثون من تحليل الجدار الحجري الذي تم اكتشافه عند المدخل. وحين انتهت أعمال الحفر، ظل الموقع مفتوحا حتى عام 2016 لكنه اُغلق مرة أخرى بسبب مخاطر الانهيارات الأرضية. ولا يزال مغلقا منذ نيسان 2023 لأسباب تتعلق بالسلامة. ومع أن الكهف مغلق اليوم، إلا أن المتحف والمنطقة المحيطة به لا تزال مفتوحة، ما يمنح الزوار إلقاء نظرة قصيرة والعودة بالزمن إلى آلاف السنين من التاريخ البشري.


عن موقع ذا فينتج نيوز