سوريا من الأسدقراطيَّة إلى الجولانيقراطيَّة

آراء 2025/01/08
...

 أ.د عامر حسن فياض


لم تشهد الكيانات السياسية المحيطة بالكيان الإسرائيلي العيش في ظل دول حقيقية وذلك لان صانعيها وعن قصد- في سايكس بيكو- لم يرق لهم أن تكون الكيانية الصهيونية بعد وعد بلفور محاطة بدول بمعنى الكلمة زيادة على أن من تولى عملية البناء من (قادة) للكيانات السياسية العربية المحيطة بإسرائيل لا يفقهون التمييز بين وظائف رجالات الدولة ورجالات السياسة.  وقد استمر هذا الحال لتكون صناعة الكيانات الدولتية الحقيقية في محيط إسرائيل، وما بعد هذا المحيط حلم جميل صعب التحقيق فكانت الصرخات الانفعالية لهؤلاء من أجل (الاستقلال) بلا ديمقراطية زمن الاستعمار الغربي القديم، لتصبح صرخات انفعالية من أجل (ديمقراطية) بدون استقلال زمن الاستعمار الصهيوأمريكي الجديد. 

لقد تعددت توصيفات ما حصل في سوريا، فالجميع متفق أن عملية تغيير وتحول وانتقال قد حصلت فبعضهم يصفها بعملية انتقال من الاستبدادقراطية إلى الاخوانقراطية، والآخر يرى أنها عملية تغيير من الطغيانقراطية إلى الفوضى قراطية، والحقيقة أن انتقال سوريا من حكم الأسد إلى حكم الجولاني واقعياً وليس نظرياً جعل من سوريا تنتقل من سوريا ما قبل الجديدة عهد الاسد إلى سوريا ما قبل قبل الجديدة عهد الجولاني... ومن سوريا ما قبل الدولة عهد الاسد إلى سوريا ما قبل قبل الدولة عهد الجولاني... ومن سوريا ما قبل وحدة الاقليم السوري عهد الاسد إلى سوريا ما قبل قبل وحدة الاراضي السورية عهد الجولاني.  إن كل الذي يحصل في سوريا وما سيحصل بعد الآن هو ما نسمعه من دعوات لحوار وطني بين أطراف الاساسية منها تأتي للحوار دون أن تفك ارتباطها واستقوائها بجهات اجنبية أمريكية أو تركية أو اسرائيلية. وعليه فان هذا الحوار (الوطني) أن نجح فانه سينجح في انتقال سوريا بحكم التوافق الصهيوامريكي التركي، وبأحسن الاحوال والتوقعات سينجح في انتقال سوريا من الجولانيقراطية إلى المحاصصقراطية القومية والدينية في اطار (دولة) بلا حول ولا قوة.. نقول ذلك لان الكل منشغل بتوصيف ما حدث ويحدث وليس بمواجهة ما حدث ويحدث في سوريا والذي حدث ويحدث هو عدوان كامل الاوصاف مبرقع بعناوين التحول والتغيير والانتقال طالما ان العرب يلعبون دور الصامت صمت القبور وان العالم يلعب دور الساكت سكوت الشيطان الاخرس. 

صحيح إن من السابق لأوانه تحديد المرحلة المقبلة في سوريا بيد أن هناك معطيات ومؤشرات تبين للعقلاء أن المراد، على وفق المشروع الصهيوامريكي التركي تحويل سوريا من الحريات المعدومة زمن الأسد إلى الحريات المنفلتة زمن الجولاني. 

وهذا المشروع الصهيوامريكي التركي يقوم على اطروحات غرائبية استسلم لها عرب السلطة بخوف وعرب الرفاهية بخنوع أبرزها أطروحة أن السلام لا يتحقق إلا بالإبادة كما يحصل في فلسطين!.. وأطروحة ان التحرير لا يتم إلا على يد الفيالق الإرهابية كما يحصل في سوريا !.. وأطروحة أن الديمقراطيات الغربية العظمى هي رأس حربة الحروب العدوانية!.. وأطروحة أن صوت الشعوب صراخ ليس بالضرورة الاستجابة له!.. وأطروحة أن قوة دول المنطقة المحيطة وما بعد المحيطة بإسرائيل تكمن في ضعفها بعد تدمير قدراتها العسكرية وزيادة منسوب رخاوتها !.. وأطروحة أن بقاء إسرائيل وأمنها مرتبطان بتقوية تبعية كل من الاردن ولبنان والعراق للولايات المتحدة الامريكية.

لكل ذلك فان مؤشرات مستقبل سوريا غير واعدة حتى الآن وان الطريق إلى مستقبل سوريا محفوف بعدم اليقين ومرصوف بالمخاطر. وحتى الآن الدعم الاوربي الامريكي لسوريا حرة ديمقراطية هو دعم لفظي. وأن قانون قيصر الذي ساهم في تجويع الشعب السوري قبل النظام السوري لا يزال ساري المفعول. وان وراء صور الفرح القليلة المعلنة بالتغيير صور كثيرة غير معلنة للحزن والقتل والانتقام. وأن خطر تفكيك سوريا إلى كانتونات قومية ودينية ومذهبية قائم على قدم وساق. ولا راد لكل هذه المخاطر المعاشة غير المقاومة التي لم تنتصر اليوم لأن انتصارها يعتمد على استمرارها، فاذا كانت الانظمة في المنطقة قد اقتنعت معظمها بان قوتها في تبعيتها للمشروع الصهيوامريكي التركي فإن شعوب المنطقة لا يمكن أن تقتنع بغير حقيقة ان قوتها في مقاومتها لكل شكل من اشكال التبعية.