الماوري يطالبون بإحياء معاهدة وايتانجي 1840
ماروشا مظفر
ترجمة: مي اسماعيل
وسط تصاعد التوترات بشأن تعديلات قانونية مقترحة؛ دعت قبائل الماوري ملك بريطانيا تشارلز الثالث إلى ضمان احترام حكومة نيوزيلاند لالتزامات معاهدة "وايتانجي- Waitangi"
أرسلت رابطة قبائل الماوري الجامعة (التي تضم ما لا يقل عن ثمانين قبيلة تسكن جزيرتي نيوزيلاند) رسالة مفتوحة إلى ملك بريطانيا تطالبه بالتدخل في سياسات حكومة نيوزيلاند لضمان تطبيق شروط معاهدة عام 1840 التي وقعها أكثر من 500 زعيم ماوري مع حكومة التاج البريطاني، وكانت حجر الزاوية وتشريعات حقوق قبائل الماوري في نيوزيلاند.
منذ تسلمها السلطة أواخر العام 2023؛ واجهت الحكومة الائتلافية اليمينية في نيوزيلاند احتجاجاتٍ غير مسبوقة حول سياساتها المتبعة تجاه شعب الماوري (الشعب الأصلي لنيوزيلاند- المترجمة)؛ مما قاد لتجمعات كبيرة لزعماء الماوري وانتقاداتٍ حادة من مجلس مراقبة المعاهدة التي تحقق في انتهاكات المعاهدة.
وقّع الرسالة (التي صاغها منتدى رؤساء إيوي الوطني) نحو خمسمئة من زعماء القبائل وممثليهم؛ لتسليط الضوء على التوترات بين شعب الماوري والائتلاف اليميني الحاكم؛ وهذا الاخير أدخل سياسات تنظر إليها القبائل على أنها تقويض لحقوقهم؛ مثل التراجع عن استخدام لغة الماوري في دوائر وسجلات الحكومة والتغييرات في تفسير المعاهدات. وحضّت الرسالة المفتوحة الملك البريطاني على استخدام دوره الدستوري وكونه من نسل الملكة فيكتوريا لتذكير الحكومة النيوزيلاندية بإلتزاماتها، مع التركيز على أن أسر مجتمع الماوري والعلاقات التي تدعمها المعاهدة باتا يعانيان خطرا حقيقيا.
الرسالة
تعترف الرسالة بعلاقات الملك تشارلز الثالث بملك الماوري الراحل "توهيتيا- Tuheitia "، وتعرب عن الأمل بوجود علاقة قوية مع ملكة الماوري الجديدة "نجا واي هونو آي تي بو- Nga Wai Hono i te Po " كما تستعرض دور ملكة بريطانيا السابقة فيكتوريا (التي توفيت سنة 1904) بإبرام معاهدة وايتانجي عام 1840 وتنتقد الانتهاكات التاريخية لوعود التاج البريطاني؛ مشيرة لتحسن العلاقات بين الماوري والتاج مؤخرا، إلا أنها تدهورت في ظل الحكومة الحالية، وضرورة تذكير الحكومة باحترام مسؤوليتها عند التصرف كشريك مشرف نيابة عن التاج. وذكّر الزعماء الماوري الملك البريطاني أيضا باجتماع رؤساء حكومات الكومنولث خلال العام 2022، والذي أعرب خلاله الملك عن حزنه الشخصي العميق للمعاناة التي سببها الماضي وسلط الضوء على الحاجة إلى مواجهة ذلك التاريخ والتعلم منه لبناء مستقبل أفضل.
نقلت الرسالة عن الملك تشارلز قوله أثناء ذلك الاجتماع: "يبدو لي أن هناك دروسا في هذا التاريخ لعائلة الكومنولث الخاصة بنا؛ فإذ نسعى معا من أجل السلام والازدهار والديمقراطية، أود أن أعترف بأن جذور ارتباطنا المعاصر تمتد عميقا إلى أكثر فترات تاريخنا إيلاما. لا استطيع وصف عميق حزني الشخصي على معاناة الكثيرين، وإذا أردنا أن نصنع مستقبلا مشتركا يعود بالنفع على جميع مواطنينا؛ فيجب علينا أيضا إيجاد طرق جديدة للاعتراف بماضينا. انه ببساطة، حوارٌ حان وقته".
لماذا السعي لتدخل التاج البريطاني؟
يهدف مشروع القانون الرائد لحزب العمل النيوزيلندي: "مشروع قانون مبادئ المعاهدة" إلى استبدال معاهدة وايتانجي الراسخة بنسخة معدلة خاصة به؛ بحجة أن المبادئ الحالية خلقت حقوقا سياسية وقانونية غير متكافئة للماوري. أثار الاقتراح ردود فعل واسعة وعنيفة؛ إذ إتهمه المنتقدون بتقويض حقوق الماوري وتعزيز الخطاب المعادي لهم في البلد. ووصفت رابطة قبائل الماوري وايتانجي مشروع القانون بأنه انتهاك صارخ للمعاهدة التاريخية؛ محذرة أن من شأنه الحد من حقوق الماوري، وتقليل التماسك الاجتماعي، والإضرار بالعلاقة بين الماوري والتاج. بينما دعا الحزب الحاكم مرارا إلى انهاء ما أسماه "التقسيم على أساس العرق". انتقد زعيم الحزب "ديفيد سيمور" أسلوب "الحكم المشترك" (= اتخاذ القرار المشترك بين الماوري والتاج)، ونُقِلَ عنه وصف ضعف تمثيل الماوري داخل المؤسسات العامة باعتباره أمرا يتعارض مع مبدأ المساواة في الحقوق. يؤكد سيمور أن مشروع القانون.. "يوفر فرصة للبرلمان (وليس المحاكم) لتحديد مبادئ المعاهدة؛ بما في ذلك التأكيد على مساواة الجميع أمام القانون". ويُجادل الحزب أن المبادئ الحالية قد شوهت النية الأصلية للمعاهدة؛ مما أدى إلى انشاء نظام من مستويين يتمتع فيه الماوري بحقوق سياسية وقانونية متميزة مقارنة بغيرهم.
أثار مشروع القانون احتجاجات ضخمة؛ إذ تجمع عشرات آلاف النيوزيلنديين خارج البرلمان في واحدة من أكبر التظاهرات لمعارضة مشروع قانون مبادئ المعاهدة أواخر العام الماضي. وفي حين يفتقر مشروع القانون إلى الدعم الكافي لإقراره، يرى المعارضون أنه محاولة لالغاء عقود من التقدم لتمكين شعب الماوري، الذي يواجه أضرارا اجتماعية كبيرة رغم أنه يشكل نحو عشرين بالمئة من السكان. جاء الاحتجاج بعد مسيرة دامت تسعة أيام لآلاف الأشخاص من جميع أنحاء البلد، وبلغت ذروتها في ويلينغتون؛ حيث هتف المتظاهرون (ومنهم كثيرون يرتدون ملابس الماوري التقليدية): "اقتلوا مشروع القانون". وجرى ايقاف عمل البرلمان النيوزيلندي مؤقتًا من قبل سياسيين من شعب الماوري أثناء قيامهم بأداء رقصة "هاكا" التقليدية من قبيل الاحتجاج، في مشاهد انتشرت حول العالم. بينما يرغب السكان الأصليون ضمن بعض دول الكومنولث بقطع العلاقات مع الملكية البريطانية بسبب تاريخها الاستعماري، يفضل بعض زعماء الماوري الحفاظ على الصلة؛ خوفا أن يؤدي التخلي عن الملكية إلى تقويض حقوقهم بموجب معاهدة وايتانجي. ويخشى الماوري أن يقود تحول نيوزيلندا إلى جمهورية إلى تقويض الحماية والحقوق المكفولة للماوري بموجب المعاهدة.
مستقبل الحقوق
وكان تقرير صادر عن مجلس وايتانجي قد حذر أن إقرار مشروع القانون سيمثل أسوأ خرق للمعاهدة خلال العصر الحديث، مما قد يؤدي إلى نهاية المعاهدة ذاتها. وجاء فيه أن المشروع يحد من حقوق الماوري ويقوض التزامات التاج ويعيق وصول الماوري إلى العدالة، وإلى تآكل التماسك الاجتماعي وتقليل المكانة الدستورية للمعاهدة. وانتقد مجلس وايتانجي المشروع لكونه يستند إلى سياسة معيبة، ويقدم تفسيرات جديدة ويعزز رواية تاريخية مضللة. لقد أسست معاهدة وايتانجي لدولة قومية وتناولت قضايا مثل حقوق الأرض والثقافة، فضلاً عن علاقات الماوري بالسلطات. وعلى الرغم من أنها ليست وثيقة قانونية؛ فقد جرى دمج بعض مبادئ المعاهدة في التشريعات.
يتحدث بعض المراقبين عن اختلافات رئيسية بين النسختين الإنجليزية والماورية للمعاهدة؛ مما يُعقّد تطبيقها وتفسيرها. ولمعالجة هذا، اعتمد المشرعون والمحاكم ومحكمة وايتانجي في نيوزيلندا على مدى السنوات الخمسين الماضية على الجوهر الأوسع للمعاهدة (أو روحها) لتوضيح مبادئها؛ وهي مبادئ مرنة وليست ثابتة. ويرى "كاروين جونز" الخبير في قانون الماوري أن مبادئ المعاهدة كانت أداة للوفاء بالتزامات التاج البريطاني تجاه الماوري، مشيرا إلى دورها بتنشيط اللغة الماورية وإنشاء هيئة الصحة الماورية (التي حلتها الحكومة الائتلافية أواخر العام الماضي) لمعالجة التفاوتات الصحية؛ قائلا: "إذا أعيد تعريف هذه المبادئ (وإضعافها بشكل كبير) فسوف تتناقص الآليات القانونية المتاحة للماوري للاعتراف بحقوقهم"؛ مما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية محتملة.
نجح حزب العمل النيوزيلندي بتأمين إدراج مشروع القانون ضمن اتفاق الائتلاف مع الحزب الوطني (من يمين الوسط)؛ رغم أن الحزب الوطني لم يلتزم إلا بالدعم خلال القراءة الأولى ومسار لجنة الاختيار. كما استبعد الشريك الثالث في الائتلاف؛ حزب "نيوزيلندا أولا"، دعم مشروع القانون بعد هذه المراحل؛ وهذا يُرجّح للغاية أن يفشل مشروع القانون. كما حثت أحزاب المعارضة (حزب العمال والخضر وحزب الماوري) رئيس الوزراء "كريستوفر لوكسون" على منع ما وصفوه بمشروع قانون "مثير للانقسام" يخدم "مجموعة رجعية خطيرة"..
صحيفة الاندبندنت البريطانية
أخبار اليوم
لجنة العمل لـ «الصباح»: مقاعد حج وتعيينات وقطع أراض لذوي الاحتياجات الخاصة
2025/01/15 الثانية والثالثة