كاظم غيلان
تتعرض هندسة المدن لتشوهات تسهم في تغييب جمالياتها وإحلال كل ماهو نقيض لملامحها الأولى التي عرفت بها وطبعت في ذاكرة الأجيال التي نشأت في ربوعها، تلك هي التي نطلق عليها تسمية - العشوائيات - والتي تعني الخروج واللامألوف عن سياقات أنظمة الهندسة التي وضعتها عقول معمارية لايمكن الاستهانة بها، والتسمية وحدها تفصح عن معناها .
هذه العشوائيات تزدهر في البلدان التي تتعرض لاهتزازات أنظمة حكمها ويضعف دور الحسم القانوني في إيقافها أو منعها فكيف وحالنا الذي تأخذ العشيرة والطائفة وبؤر الفساد فيه دورا فاعلا في حماية هكذا ظواهر؟
في حقل الثقافة والفن عشوائيات مماثلة فرضت نفسها تحت ذريعة الديمقراطية التي لم نحسن تعاملنا مع مضامينها فغدت انفلاتا فاضحا سمح بتمدد هذه العشوائيات، بل وغدت البعض منها واجهات لمشهد الثقافة والفن مكفولة الحماية بفعل الفساد المستشري في هذا المشهد . تناسلت العديد من منظمات المجتمع المدني التي انتحلت صفة الثقافة والفن والتي اكتشفت متأخرا انتحالها لهذه الصفة بعد أن عاثت فسادا واتقنت تشوهاتها لشكل المشهد وهويته فكانت وهمية، بعد أن جنت أموالا طائلة من جهات داعمة للديمقراطية، فكانت حقا ديمقراطية للخراب . هذه واحدة من العشوائيات التي تليها البعض من المنظمات كإتحادات ونقابات وروابط ومنتديات تأثرت باخلاقيات البعض من التيارات العاملة في حقل السياسة والتي نهلت من تركات الدكتاتوريات كل ما يضمن لها التمسك بالبقاء الأزلي على طريقة- ماننطيها- وراحت تعمل بروح الكتلة الواحدة أو العصابة لتمارس دور الاقصاء والتهميش ولربما القمع في أدنى حالاته مع كل من يختلف مع نهجها حتى لو كان على مستوى منشور في صفحة شخصية بعالم التواصل الاجتماعي- فيسبوك. كل ذلك يجري وسط ضجيج ادعاءات الديمقراطية والتسامح واحترام الرأي الآخر بطرق التوائية واغراءات سمجة لضعيفي النفوس والحال واللاعبين على كل الحبال ممن استبدلوا - زيتوني - الأمس بمحاضرات ومؤتمرات ومهرجانات خالية من أي صوت إبداعي حقيقي ومتاجرات مفضوحة بتجارب عظيمة لها موضع الوقار في الذاكرة العراقية .
عشوائيات الثقافة لاتقل خطورة عن عشوائيات المدن في إلحاق التشوهات بملامح ثقافة العراق وفنونه ولا غرابة في أن تجدها بموقع الصدارة لاسيما وان شركات غسيل الأموال أصبحت من أبرز مصادر تمويلها ولذا تجدها تمنح جوائز دسمة لأسماء بارزة لتكتسب من خلالها شرعية لوجودها الذي ألقى باثقاله على صدور المبدعين الحقيقيين الذين ارتضوا بما لديهم من زهد وعفة وهامات مرفوعة تأبى الانحناء أمام من احتلوا بعشوائياتهم وحواسمهم صدارة مشهد الضجيج والتفاهة الذي يرعى مواهب مبتورة لهواة جمع الهويات والشهادات الكارتونية .
للحاج زاير رحمه الله موال فيه من الجزع الكثير جاء بإحد أبياته :
(والله امتحنا ونظل
جم دوب نكنس نوه)
العشوائيات بجميع صنوفها قابلة لـ ( الكنس) مهما أدعت بشرعية وجودها اللاشرعي .