بيروت: جبار عودة الخطاط
ربما تعد هذه الجلسة النيابية الأكثر سخونة في تأريخ مجلس النواب اللبناني؛ نظرًا لما تنطوي عليه من تعقيدات واشتباك سياسي، يأتي بعد هزات سياسية وعسكرية عنيفة مر بها لبنان والمنطقة، فبعد أكثر من عامين وشهرين من الشغور الرئاسي.
وما رافق ذلك من أحداث جسام حفرت عميقًا في الوجدان الاجتماعي والسياسي اللبناني المعاصر؛ يعقد مجلس النواب اللبناني اليوم الخميس جلسته المرتقبة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل سيناريوهات سياسية متعددة.
وبين التفاؤل الحذر وتقاطع الفرقاء السياسيين وتشبثهم بخيارات رئاسية تدعم التوجّهات السياسية لكل منهم؛ تدور حظوظ نجاح الجلسة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الساعة (11) من صباح اليوم ليخرج كل فريق سياسي "أرنبه" المنتظر من قبعة ترشيحاته التي لن تكون مفاجئة.
ولعلّ بورصة الأسماء الأكثر ترجيحًا باتت تنحصر اليوم في حصيلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وكما يبدو فإنَّ المؤشرات المعلنة وغير المعلنة تشي- وحتى ساعة كتابة التقرير- بأنَّ مدار الأرجحية ينحصر في أسماء: قائد الجيش العماد جوزيف عون المدعوم أميركياً وسعودياً فضلًا عن كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة الاعتدال الوطني وآخرين، والخيار الثاني اللواء إلياس البيسري المدير العام للأمن العام والمدعوم من الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله وحلفائهما، وثالث الخيارات هو الدكتور جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي والذي تبت ترشيحه قوى المعارضة وربما يكون هو الخيار "ب" في حال فشل مشروع تمرير قائد الجيش العماد جوزيف عون، في حين انسحب من السباق الرئاسي زعيم تيار المردة سليمان فرنجية الذي كان يتمسك بترشيحه الثنائي الشيعي، قبل أن يتعرض لبنان لمخاض سياسي عسير عصف به بعد حرب إسناد غزة إضافة إلى الصدمات الكبرى التي تعرض لها حزب الله، فضلاً عن التغيرات الجيوسياسية التي حصلت في المنطقة بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
ويقول المراقبون إنه وفقًا لهذه الخريطة الرئاسية وتخندق كل فريق خلف مرشحهم لن يكون لأي فريق أكثرية الـ(65) صوتاً بانتظار التسوية في الساعات المقبلة، بينما يرى مصدر آخر أنَّ جلسة مجلس النواب اليوم ستضع لبنان على سكة الحل الرئاسي وأنَّ الأمور في طريقها للنضج لبلورة الحل المنشود.
وفي إطار الحراك الدبلوماسي المتواصل في بيروت والذي يمسك بخيوطه في المعترك السياسي اللبناني كل من الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، والموفد الأميركي آموس هوكشتاين، والموفد الفرنسي جان إيف لودريان، تفيد المعلومات بوجود ضغط سعودي على زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للمسير بدعم ترشيح العماد جوزيف عون، وهنا ترتفع غلة الأصوات التي تتبنى ترشيح عون إلى (77) نائباً في حالة انضمام نواب القوات اللبنانية، وهذا العدد غير كاف لتأمين ثلثي أعضاء مجلس النواب اللذين يحتاج إليهما التعديل الدستوري بغية إيصال قائد الجيش إلى قصر بعبدا.
في السياق، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس الأربعاء، أنَّ "جلسة انتخاب رئيس الجمهورية قائمة ومفتوحة وبدورات متتالية، وعلى النواب الـ(128) تحمل مسؤولياتهم وانتخاب رئيس الجمهورية". وأضاف أنَّ "هناك تصميماً لانتخاب الرئيس في جلسة الخميس أو في الأيام التالية، ولا توقف لجلسات الانتخاب إلا عند صلاة الجمعة أو قداس الأحد".
في الأثناء، أشار رئيس حركة "النهج" النائب السابق حسن يعقوب، في تصريح له إلى أنه "من الواضح أنَّ أميركا والغرب والعرب يريدون قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية"، مشيراً إلى أنَّ "رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل هو الوحيد الذي أعلن رفضه، وإذا بقي الثنائي الشيعي موحّداً فإنَّ جوزيف عون لن يصبح رئيساً، وسيكون الانتخاب ضمن معادلة أكثرية (65) صوتاً وليس (86) وما فوق".
في حين شدّد عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسين الحاج حسن، على أنَّ "انتخابات الرئاسة في لبنان، شأن وطنيّ لبنانيّ سياديّ، أي أنها من مسؤولية نواب الأمة المنتخبين من الشعب اللبنانيّ كما يعبّر في الدستور، وبالتالي، يجب أن يكون رئيس الجمهورية صناعة وطنية خالصة"، وأكد، خلال احتفال تكريميّ، أنَّ "حزب الله" وحركة "أمل" هما معًا في هذه الانتخابات وبكل المسار السياسيّ، ورأى أنَّ "من أولى مهمّات الرئيس العتيد القادم وكل الرؤساء، هو حماية لبنان والدفاع عنه في مواجهة العدو الصهيونيّ وفق رؤية وبرنامج واضح ومقدرات مطلوبة". بدوره، أعلن تكتل "الاعتدال الوطني"، في بيان بعد اجتماعه أمس دعمه لقائد الجيش جوزيف عون باعتباره "فرصة للتوافق الوطني" بدعم عربي ودولي، بينما يبدو الزعيم الدرزي المخضرم وليد جنبلاط هو الأكثر وضوحًا في تسمية مرشحه، إذ جدد قوله: إنَّ "قائد الجيش جوزيف عون لا يزال مرشحنا، وهذا قرار رئيس الحزب الاشتراكي تيمور جنبلاط واللقاء الديمقراطي وقد لقينا تفاعلًا إيجابيًا من الخماسية وسوريا"، كما أشار النائب فيصل كرامي إلى دعمه الشخصي "لانتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون".