محمد غازي الأخرس
أمس كنت عند قبر خالتي في ذكراها السابعة، أحب تلك الخالة وأعدها من الشخصيات التي لا تتكرر. حين وصلنا، لاحظت أن هناك اناءً فخاريا ممتلئا بالماء موضوعا عند قبرها. راقني المنظر، وقلت: تستحق الطيور هذا العطف. على إنني حين شرعت بتجوالي الفضولي الذي اعتدته كلما زرت المقبرة، لاحظت أن الأواني الفخارية تنتشر فوق العديد من القبور، وكان كثير منها مترعاً بالماء بينما كان بعضها فارغاً يتطلع لأيدي الزوار الذين يأتون دائما حاملين قناني الماء لرشها على القبور. السؤال المتوقع؛ هل طقس الأواني الفخارية جديد أم انه طقس منسي ابتعث من رقاده في مخيال الناس؟ هو قديم تم بعثه حديثاً، وقبل العودة له بالتفصيل لاحقاً، لابد من القول أن رش الماء على القبور ممارسة قديمة. يعدها البعض سنة نبوية مستحبة، من باب أن الماء يثبت التراب ويحفظه من عصف الريح. ويصح الأمر على الحصباء والحجارة التي كان يضعها العرب على القبور لتبقى معلومة أو لكي يثبت ترابها. من هذه الممارسة، تبقت شظية لا نزال نمارسها، وهي وضع حصاة أو حجارة صغيرة على القبر بعد مغادرتنا المقبرة، بزعم أن ذلك يجعل الميت ييأس من خروجه من العالم السفلي. بالنسبة لرش الماء، يبدو لي أن الغرض لا يتعلق بتثبيت تراب القبر كما قيل، إنما هي ممارسة سحرية لبعث الحياة في الميت، وإنني لأتذكر بهذا الصدد تفسير جيمس فريزر لإشعال البخور عند القبور، فهو يقول إنها ممارسة سحرية هدفها إيقاظ حواس الميت الثاوي تحت التراب. يفعل الكهنة ذلك أيضاً لتنشيط حواس الآلهة حتى تحضر، ويفعل السحرة الشيء نفسه لاستحضار العفاريت. أي أن استنهاض الحياة هو الغرض، حتى أن زوار المقبرة في الأعياد يشتلون أشجاراً قرب القبور، ويحمل المشيعون سعف النخيل ويضعونها فوق القبور.