المرائب العشوائيَّة.. فوضى مروريَّة تشلُّ الشوارع

ريبورتاج 2025/01/13
...

   بغداد : دانيه حيدر

   تصوير : علي قاسم

في ظل الزحام المروري الخانق والحركة اليومية المكتظة في شوارع بغداد، تفاقمت ظاهرة المرائب العشوائية لوقوف السيارات بشكل غير مسبوق، لتتحول إلى أزمة حقيقية تؤثر بشكل مباشر في حياة المواطنين. لم تعد هذه المرائب مجرد عامل إضافي في زيادة الزخم المروري، بل أصبحت تشكل عبئاً كبيراً على السكان، الذين باتوا يعانون من تكدس السيارات أمام بيوتهم.

مشهد سيارات مركونة بشكل عشوائي أمام المنازل أصبح يعيق حركة المرور ويزيد من تعقيد الأمور. ومع تزايد الشكاوى، بدأت تظهر على جدران المنازل عبارة "ممنوع الوقوف أمام الدار" كإشارة يائسة لمحاولة استعادة بعض من الفضاء الشخصي، في غياب الحلول.

يحدثنا المواطن أبو نور، من (أحد أحياء شرقي بغداد)، عن معاناته المستمرة بسبب توقف المركبات أمام منزله، قائلاً: "منزلي يقع بالقرب من السوق، حيث تزدحم المنطقة بالسيارات، خصوصاً سيارات الحمل الكبيرة التي تقف أمام باب بيتي. هذا الوضع يسبب لنا مضايقات مستمرة، فنحن نواجه صعوبة في الخروج من المنزل بسبب هذه المركبات التي تحتل المكان".

وأضاف لـ "الصباح" قائلاً: "كما أنني مضطر بشكل دوري لإصلاح الرصيف أمام منزلي، حيث تتسبب السيارات الثقيلة في تلفه المستمر، حتى أن بلاط الأرصفة يتكسر بين الحين والآخر، ما يجبرني على إعادة ترميمه بانتظام"، موضحاً أنه حاول مراراً التحدث مع أصحاب السيارات، لكنه لم يلق أي استجابة.

بالحديث عن استغلال بعض ضعاف النفوس لأرصفة الشوارع التجارية، يحدثنا أبو موسى، أحد السائقين في بغداد، قائلاً: "في أحد الأيام، ركنت سيارتي في شارع فلسطين أمام دائرة رسمية، وفوجئت بشخص يأتي ويأخذ مني مبلغاً تحت مسمى "كراجية"، رغم أن الشارع عام ويعود للدولة".

ويتابع "هذا الأمر يتكرر معي في العديد من الأماكن مثل الأسواق والمستشفيات، حيث يتم استيفاء المبالغ بحجة أنهم قد استأجروا الشارع من الدولة".

وأضاف أبو موسى مستاءً: "لقد أصبح من الطبيعي أن يطلب هؤلاء الأشخاص أموالاً مقابل ركن السيارة في أماكن عامة، وهو ما يعكس فوضى غير مقبولة في تنظيم الشوارع، ويزيد من معاناة المواطنين".

وبحسب إحصائيات غير رسمية، فإن عدد السيارات في العراق ارتفع  ليصل إلى 8 ملايين سيارة في عام 2024، تركز أغلبها في بغداد، ليصبح بواقع سيارة واحد لكل خمسة أفراد.

ويؤدي ارتفاع عدد السيارات إلى ضغط كبير على البنى التحتية للطرق والجسور، ويحتاج إلى أعداد كبيرة من ساحات وقوف السيارات.

يحدثنا محمد العبدان، صاحب أحد "المرائب" النظامية، عن الصعوبات التي واجهها للحصول على الموافقة لفتح مرأبه، قائلاً: "لقد مررت بإجراءات معقدة وطويلة قبل أن أتمكن من فتح المرأب".

وبشأن تأثير المرائب العشوائية على عمله، قال: "المرائب العشوائية تؤثر علينا من جوانب عدة، أبرزها الأجور. فعادةً ما تكون أجورهم أقل بكثير من الأجور المحددة رسمياً، التي تقدر بـ 3000 دينار للساعة. لذلك، يتجه الكثير من أصحاب المركبات إلى المرائب العشوائية بسبب انخفاض الأجور لديهم، وهو ما يزيد من صعوبة المنافسة بالنسبة لنا".

وأوضح محمد أن هذه الفوضى في تنظيم المرائب تؤثر ليس فقط في الأعمال القانونية والنظامية، بل تخلق أيضاً بيئة غير عادلة تؤدي إلى تراجع الإيرادات بالنسبة لأصحاب المرائب الرسمية.

تأثير انتشار المرائب العشوائية على حركة المرور، لا سيما في بغداد، لخصه الخبير المروري العميد المتقاعد عمار وليد، بأنه ناتج عن توسع المشاريع التجارية، والاكتظاظ السكاني المطرد، والذي يؤدي بدوره إلى استيراد الأعداد الكبيرة من السيارات، في حين المرائب الرسمية لا تغطي سوى 20 بالمئة من الحاجة في أبعد تقدير.

وفي حديثه لـ"الصباح" يرى وليد أن معالجة عشوائية المرائب تكمن بإنشاء مرائب نظامية مُتعددة الطبقات، فهنالك الكثير من المناطق التجارية المزدحمة تفتقر إلى العدد الكافي من المرائب، مثل المنصور، والكرادة وشارع الربيعي وغيرها.

وأشار أيضاً إلى أهمية وضع شروط لبناء مرائب تحت الأرض، تستوعب أعداد السيارات عند منح إجازات الاستثمار لإقامة أي مشروع تجاري. 

المتحدث باسم أمانة بغداد المهندس محمد الربيعي يقول لـ "الصباح": إن مدينة بغداد بحاجة إلى ما يقرب من 1000 مرأب لوقوف السيارات الخاصة، تتوزع في الأماكن القريبة من الأسواق والمراكز التجارية والنوادي الترفيهية، إضافة إلى الدوائر الرسمية.

وأشار المتحدث إلى أن الأمانة وضعت خططاً لتوفير عدد كبير من المرائب، ومنها الاعتماد على القطاع الخاص لتوفير هذه المرافق وتخفيف الزخم المروري في العاصمة.

الربيعي أعرب عن مشكلة نقص المرائب قائلاً: "هذا النقص تسبب في استغلال بعض الطامعين لأرصفة الشوارع التجارية والمساحات الفارغة، خصوصاً القريبة من المطاعم والكافيهات، حيث يتم تحويلها إلى مرائب خاصة بهم، مخالفين بذلك قرارات الأمانة. كما يقومون أحياناً بفرض أجور لوقوف السيارات مقابل ركن السيارات لساعات قليلة.

وفي تزايد أعداد السيارات، وأزمة المرور الخانقة في مركز بغداد، يتساءل العديد من المواطنين عن كيفية منح الموافقات لإنشاء مشاريع استثمارية مثل الكليات والجامعات والمستشفيات في قلب المدينة، في الوقت الذي تفتقر فيه هذه المناطق إلى المساحات المخصصة لركن السيارات. بينما تتزايد أعداد المركبات يوماً بعد يوم، يجد السكان أنفسهم في مواجهة أزمة مرورية خانقة بسبب غياب الحلول المناسبة لمواقف السيارات.

في حديثه لـ"الصباح"، كشف رئيس هيئة استثمار بغداد، علي العطار، عن 24 مشروعًا تحت عنوان "مرائب متعددة الطوابق" يتم تنفيذها حاليًا في العاصمة بغداد، بهدف تقليل الزحام المروري. من بين هذه المشاريع، هناك 9 مشاريع مكتملة و 15 مشروعًا قيد التنفيذ، بعضها وصل إلى مراحل متقدمة من الإنجاز. وتُنفذ هذه المشاريع في المواقع المحددة من قبل أمانة بغداد.

وفي ما يتعلق بشروط إجازة الاستثمار لهذه المشاريع، أوضح العطار أن من بين الشروط الأساسية مواقف السيارات التي يجب توفيرها داخل المشاريع السكنية، والمستشفيات، والمراكز التجارية وغيرها، وذلك وفقاً للمحددات التي يتم تثبيتها من قبل الجهات التخطيطية. وأضاف أن تحديد مساحة المرائب ومواقعها من مسؤوليات دائرة تصميم أمانة بغداد، بينما تقوم وزارة الإعمار بالمصادقة على هذه المشاريع وفقاً لمعايير محددة.

وأشار العطار إلى أن هناك مخالفات عديدة تم رصدها في بعض المشاريع، وفي حالة عدم التطابق مع الشروط والمعايير المطلوبة، يتم إيقاف المشاريع بشكل فوري وفقًا لتوجيهات الأمانة العامة لمجلس الوزراء. ويتم توجيه الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف أي مشروع لا يتوافق مع الخطط المعتمدة.

في المقابل، أكد العطار أن هيئة الاستثمار تقدم دعماً كاملاً لجميع المشاريع التي تتعلق بالمرائب المقامة على الأراضي الحكومية، حيث تهدف هذه المشاريع إلى التخفيف من الزحام المروري الذي تعاني منه العاصمة بغداد.

وتشير هذه الشهادات إلى واقع مرير يعيشه المواطنون في بغداد بسبب غياب التنظيم السليم للمرائب، سواء من حيث المرائب العشوائية أو استغلال الشوارع العامة.