هوليوود صنعت سينما بروح {كولونياليَّة جديدة}

الصفحة الاخيرة 2019/07/02
...

احمد داخل
نشرت صفحة سينما الجزء الأول من مقالة الكاتب والإعلامي أحمد داخل عن الصورة النمطية التي كرستها هوليوود للعرب والمسلمين، التي ناقش فيها علاقة الاستشراق الأوروبي بهذه الصورة، واليوم نضع بين يدي القارئ الجزء الثاني منها. 
عَبأَ صانعو المقولات الغربية المخيال الشعبوي الغربي بصور منمطة عن الإسلام والعرب، ما شجع دعاة التطرف والمتعطشين إلى الإرهاب في الشرق إلى إظهار أنفسهم بفجاجة أكثر، وترجمة تراثهم بصورة خاطئة، وتعزيز أفكار التطرف المتبادل، فأعطى ذلك صدق تلك الذرائع التي قيلت في العرب والمسلمين إجمالاً، والشعور العميق بما يطلق عليه اليوم "الإسلاموفوبيا"، اذ بات هذا المفهوم أكثر تهديداً من ذي قبل على الغرب في فترة الحرب الباردة يوم كانت وجهة الصراع متجهة عقائدياً بين قطبي الرأسمالية والاشتراكية. 
فالصراع الثقافي الجديد الذي يشكل أحد أطرافه الإسلام وجد له تمهيداً نظرياً في طروحات صموئيل هنتنغتون في (صدام الحضارات).   ومن اللافت أن السينما الهوليوودية ذات الإنتاج الضخم لم تكتفِ بالربحية والثراء المادي حسب بل أخذت في الغالب تؤدي أدواراً سياسية تسهل مهام صانع السياسة الغربية لاسيما الأمريكية بتوجيه خطاب تمثيلوي.
لأن تلك الجرع التضليلية التي تضطلع بمهامها السينما الهوليوودية لم تكن بمنأى عن المدرك الستراتيجي الأمريكي، ففي أكثر من مناسبة دعا بوش الابن إلى توجيه دعوى للمؤسسات السينمائية المنتجة في هوليوود للوقوف إلى جانب ما تفعله السياسة الأمريكية في الخارج، إن هذا الخطاب البصري الموجه الذي تنتهجه السينما الهوليوودية بات يمارس فعالية مؤثرة في توجيه وتعبئة الرأي العام الغربي، ما حدا بالمنتجين إلى تسليع السينما وتسويقها خارج حدود الغرب، بِعدّها وسيلةً ساندةً في تبرير الكثير من المواقف والسلوكيات التي ينتهجها ساسة الغرب عما قيل من  مقولات في الشرق والمسلمين على وجه الخصوص".
لقد استعانت وكالات الدعاية الأمريكية متمثلة بالعلاقات العامة، بآلاف الوكلاء وأنفقت الملايين من اجل إقناع المواطن بأهمية دور البنى التنظيمية في تأمين الحماية والأمن مبررة بذلك حجم المصروفات العالية على القطاع العسكري، كما تعمل باستمرار على تغطية الأخطاء العسكرية والدفاعية، كالعرض المستمر للأفلام التي تقدم صورة مرضية للعمليات العسكرية في أنحاء مختلفة، كما أن الكثير من التسهيلات العسكرية تقدم لإنتاج أفلام تصور القوات المسلحة بمنظر لائق".   
ولعل لغة التمركز الغربي تظهر سطوتها في الإنتاج السينمائي العربي إذ تبرز هيمنتها بوضوح من خلال سيطرة رؤوس الأموال الغربية إذ كان الأجانب منذ بداية القرن الماضي، قد سيطروا على صناعة السينما في مصر على سبيل المثال سواء في مجال إنشاء دور العرض، أو إنتاج الأفلام وخلال الحرب الثانية: "وضع البريطانيون يدهم على جزء كبير من أجهزة ومعامل ستوديو مصر، بل سخَّروا عدداً كبيراً من الفنيين والمصورين لتسجيل معارك جيوش الحلفاء ضد جيوش المحور"، وفي هذا الصدد يُعلق صاحب كتاب (الثقافة والامبريالية) ادوارد سعيد بقوله: "قد يكون الغربيون غادروا مستعمراتهم القديمة في أفريقيا وآسيا فيزيائيا، غير أنهم احتفظوا بها لا كأسواق فقط بل أيضا كمواقع على الخريطة العقائدية التي استمروا يمارسون عليها حكما أخلاقيا وفكريا وثقافيا" وفي الشيء نفسه عندما حاول المنتج والمخرج مصطفى العقاد تسويق جانبٍ من الأحداث التاريخية العربية في مرحلة الاستعمار الغربي في بدايات القرن العشرين من خلال فيلمه الشهير عمر المختار إلى الجمهور الأوروبي مُنع من ذلك في ايطاليا، وكذلك الأمر حصل مع فيلم معركة الجزائر الذي أنُتج في العام 1966 وهو من أخراج جيلو بونتيكورفو وبطولة إبراهيم حجاج  بدور علي لابوانت.. ولقد كان الفيلم يروي صفحة من صفحات نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي؛ "إذ لم يعرض الفيلم إلا لفترة قصيرة وقد حورب داخل فرنسا كونه يمثل إدانة للاستعمار الفرنسي للجزائر، بل أن البرلمان الفرنسي في عام 2005 صادق على قرار غريب يرفض أي نقد". 
كما ظهر جيل جديد من المستشرقين والأكاديميين والباحثين والمنظرين، الذين يعملون في العديد من مراكز الأبحاث الأمريكية التي تهتم بالعالم وتحديدا شؤون الشرق الأوسط، ومُضافاً إليهم جيلٌ من الكتاب والمنتجين والمخرجين من صانعي السينما بروح كولونيالية جديدة والذين باتوا أداة من أدوات الهيمنة الثقافية الغربية المُعزِزة للإمبريالية الجديدة في 
العالم.