«البراند».. قيود الفخامة وأسرار النجاح

فلكلور 2025/01/14
...

 أمستردام: آمنة عبد النبي

لا تزال حادثة البراند الأوروبي «هيرمز» حينما وضع سيدتين على اللائحة السوداء ومنعهما من اقتناء مبيعاته للأبد، والسبب قد يبدو تافها جداً، وهو وجود السيدتين في أحد عروض الأزياء وهما تجلسان في الصفوف الأمامية ومعهما حقيبة هيرمز ذات الإصدار المحدود مركونة على الأرض، وبالصدفة قامت إحداهن بدفعها بقدمها، فأثارت الحركة الجدل.

الحادثة بسبب تصرف بسيط قد تبدو تافهة، ولكنها تكشف عن طبيعة العلاقة المعقدة بين الماركات الفاخرة وجمهورها. هذه الحادثة تبرز كيف أن بعض العلامات التجارية تضع معايير صارمة لحماية سمعتها ومنتجاتها، بل حتى طريقة عرضها، خاصة عندما يكون المنتج مرتبطًا بالرفاهية والترف.

أحد الأسباب التي جعلت «هيرمز» وغيرها من الماركات الفاخرة، تلقى هذا الاهتمام الكبير هو ارتباطها بالرمزية الاجتماعية. غالبا ما تكون هذه العلامات التجارية غير مجرد منتجات استهلاكية بل تمثل حالة من الانتماء الاجتماعي أو الرفاهية. إذ إن اقتناء منتج من ماركة «هيرمز» أو غيرها لا يُنظر إليه على أنه حاجة أو رغبة في الجودة فقط، بل في بعض الأحيان يعكس رغبة في التميز أو إبراز المكانة الاجتماعية. لهذا السبب، تحاول بعض الشركات فرض قواعد وقيم صارمة لحماية هذه الرمزية، كحماية المنتجات من التعامل غير اللائق أو الخاطئ.

فيا ترى لماذا أصبح البراند مظهراً من مظاهر الفخفخة العالمية ويُعبر عن رغبة الكثير من الأفراد في شراء السلع الفاخرة ليس بدافع الحاجة والشغف، بل لمجاراة الآخرين وإظهار الثراء والترف، وهل يمكن اعتبار ثقافة الماركة والبراند في هولندا وأوروبا ككل خاضعة لمقاييس عملية لا علاقة لها بالفشخرة والفراغ ام لا!


اغترارٌ وسطحيَّة 

تقول السيدة هديل الجواري وهي سائحة في امستردام، الماركة تحولت لمقاييس اجتماعية سطحية تعتمد المظهر الخارجي دلالة على فخامة الشخصية وقوتها، تخيلي البعض يحملنّ حقيبة غوتشي للتباهي بماركتها لا لأناقتها، علماً أنني لو تجولت في الخليج، وأنا أرتدي أغلى الماركات الفاخرة فلا أحد يأبه أو ينتبه لما أتميز به، بل إن الفرد هناك صار متجاوزاً لمرحلة الاغترار بـ (الليبل)، فراح يبحث عن جوانب غير متاحة لسواه. ولو جئنا إلى ثقافة الماركة لدى الفرد الأوروبي والعراقي المقيم في أوروبا، فأعتقد أن الفرد الأوروبي خاضع لمحدودية دخله وهول الضرائب التي تحدّ قدرته الشرائية وتخنقه، ولا شك أن وفرة تلك الماركات في متناول الجميع، وبجودات مختلفة وأسعار مشروطة بالمنشأ، وهذا هو الذي أتاح له الاندماج السريع في تلك الثقافة الرائجة، بما يناسب دخله على الأقل، لأن تدرّج الأسعار خاضع لنوعية الماركات.

اضطرابات مجتمعية

اما الكوافير مصطفى الحمداني الذي يقيم في أطراف هولندا، فقد قال: هنالك من يفضل شراء الملابس الغالية للفخفخة، بينما يتجاهل شراء الملابس الداخلية من نفس البراند والهدف طبعاً ليس الراحة أو الجودة، بل التركيز على المظاهر وإبراز الفخامة، مثلما نجد الكثيرين يشترون الهواتف الذكية الحديثة فقط لتباهيهم بمواصفاتها أمام الأصدقاء، رغم أنهم لا يحتاجون فعليا لهذه المواصفات والاسعار المهولة، ولعل المجتمعات الشرقية ميالة لتلك المظاهر التي تكاد تنعدم في أوروبا باعتبار أن المجتمع الشرقي قد يجبرك ان تلبس بشكل معين او تضع العطر الفلاني او تركب السيارة الموديل كذا لكي لا تشعر بأنك أقل منهم، وأنك محط أنظارهم لبساطه ملابسك.


مضاربات فارغة

في حين اعتبر الكاتب المغترب ناجي سلطان انه لا علاقة للأمر بعقدة النقص وشعوره، إنما هو هوس نسائي تحكمه المضاربات الفارغة بين غالبية تجمعات الجاليات في أوروبا، وليس هن فحسب، بل إن الفرد الشرقي سواء أكان في بلاده أم خارجها بطبيعته يحب القيافة في كل وقت، لأن اللبس الفخم في نظره ليس من مكملات قوة الشخصية فحسب، بل إنه مكمل للشخصية ذاتها، وقد تصادف من يدفع كل ما في جيبه لقاء شراء قلم باركر، وفي نهاية الشهر يضطر لبيعه، لكن القضية برمتها عامة وموجودة حتى عند الفرد الأوروبي، لكن بصيغ اخرى، لأن الفرد الأوروبي لا يأبه لطبيعة ملبسه أثناء العمل، إنما تجدينه في عطلة نهاية الأسبوع يغير نظامه بأكمله.