قصي البصري.. محطاتٌ إبداعيَّة لا يمحوها الرحيل

ثقافة 2025/01/15
...

 بغداد: الصباح

رحل بعيداً عن وطنه ومدينته التي عشقها حد الثمالة وحفظ مواويلها على ايقاع الخشابة، بعد رحلة عطاء صاخبة بالإبداع والابتكار، قدم خلالها عشرات المسرحيات والاوبريتات والاعمال الفنية.. التي تجسد ارتباط الانسان بوطن يحتضن احلام الفقراء والعمال بحرية وسعادة..

فهو أول من قدم المسرح الغنائي أواخر الستينيات من القرن الماضي، باعمال اتسمت بالرصانة والنضج والسبق الابداعي.

أغمض الفنان الشامل قصي البصري اغماضته الاخيرة في الولايات المتحدة الاميركية عن عمر ناهز 82 عاماً ودفن هناك، وقد أقامت نقابة الفنانين في بغداد حفلا تأبينيا الاسبوع الماضي حضره عدد كبير من الفنانين للحديث عن ذكراه العطرة ورحلته المسرحية الثرة المليئة بالمحطات الابداعية، بالاضافة إلى مجلس عزاء اقامته نقابة الفنانين فرع البصرة وحضره اصدقاء وتلاميذ الفنان 

الراحل.


بيادر خير 

يعد الفنان قصي البصري رائدا في مجال المسرح الغنائي، ويعود له الفضل في اخراج أول أوبريت غنائي وهو "بيادر خير" العام 1969 وقد انطلقت الفكرة من الفنان 

محمد سعيد الصكار بمقترح عمل أوبريت يرصد هجرة الفلاحين من الريف إلى المدينة، والعمل على تشجيعهم بالتمسك بارضهم وزراعتها بعدما تركوا المناجل والمساحي وراحوا يعملون بمهن بسيطة ورثة في 

المدينة.  

كلف الأديب والناقد ياسين النصير بكتابة السيناريو وكتابة الشعر الشعبي من نصيب الشاعر علي العضب، كذلك الشعر الفصيح الذي مثلته الفنانة سيتا هاكوبيان، أما لوحة (الول لوة) فهي للشاعر ابو سرحان وتوزيع الفنان حميد البصري وتصميم وتدريب وإخراج قصي البصري وكان 

الأوبريت بطولة فؤاد سالم، شوقية العطار، عبد الاله عبد القادر، قصي البصري، عبد الامير السلمي، طالب غالي، ضياء البصري، ابراهيم ابو الهيل، عباس مجيد 

وأم لنا.. 

حقق الاوبريت نجاحا كبيرا عندما عرض في بغداد، وكان مفاجئا لجمهور المسرح الذين استمتعوا بالاغاني التي ضمها الاوبريت، وكانت معبرة بلوحات فنية مدروسة وقدمت مجموعة من المواهب الشبابية، وانطلقت من الاوبريت الاغنية الشهيرة " ياعشقنا " للمطرب فؤاد سالم والمطربة شوقية العطار.

بعد ذلك قدموا العديد من العروض المسرحية، التي تؤكد تأصيل المسرح الغنائي، الذي جاء ببصمة بصرية، لكن المحطة الأهم من هذه الاعمال توجت بأوبريت " المطرقة" تأليف علي العضب ألحان طالب غالي تصميم وتدريب وإخراج

قصي البصري.


لقاءٌ بعد 30 عامًا

وقد رثت الفنانة الكبيرة سيتا هاكوبيان رفيق دربها بالفن قصي البصري، وكتبت على صفحتها " لا أعلم ان كنت سأجد انساناً بطيبة قلبك أو بابتسامتك التي لا تغيب، حتى في أقصى درجات الغضب أو الألم، كنت لي الأخ الكبير منذ لقائنا في أوبريت (بيادر خير)، وفرقتنا الأيام، ثم التقينا في بيتنا في كندا بعد أكثر من 30 عاما، كنا على اتصال دائم وكنت تضحك معنا، حتى وأنت في أقصى درجات الألم من المرض اللعين الذي أصابك، واليوم نقل.

أعمالك الفنية التي قدمتها باقية في ذاكرة الفن العراقي، كنت أول من اخرج أوبريتات في بلدنا الحبيب، وقدمت الكثير إضافة إلى أعمالك الغنائية، ستبقى خالدا في الذاكرة العراقية. ولد البصري العام 1942 في مدينة البصرة محلة (الصبخة) لاب يعمل موظفا بسيطا ووالدته تعمل في الخياطة، عمل في المسرح بسن مبكرة بتأثير من اخيه الاكبر توفيق البصري، تخرج في معهد الفنون الجميلة 1965 ثم عين مشرفا فنيا في مدرسة الجمهورية النموذجية. سجن أكثر من مرة بسبب أفكاره الوطنية وانتمائه إلى الحزب الشيوعي، تعرض إلى التهديد اثناء الحرب الطائفية، ما اضطره  اللجوء إلى اميركا هو وعائلته وتوفى هناك.