علي حسن الفواز
يبدو أن الصراع الدولي المقبل سيكون صراعاً في الإعلام، وستخصص له الميزانيات العملاقة لدعم سياساته الرمادية، على مستوى صناعة مطابخ الأخبار والمعلومات، أو على مستوى صناعة المنابر والمنصات، وحتى على مستوى أعداد الصحفيين الفاعلين فيه، ليكونوا جزءاً من جبهاته المفتوحة.
إغراق العالم بالأخبار سيكون الرهان الأول في سوق المنافسة، وفي تهيئة ما هو لوجستي وستراتيجي للهيمنة عليه، وكأن هذا التوجه سيكون هو الأفق الذي ستتحرك به سياسات الولاية الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر تغذية نزعته في الأمركة، وعبر اعتماد وسائط داعمه الرئيسي ايلون ماسك صاحب منصة “أكس” والذي سيجد في توجهات السياسة الأميركية الجديدة خياراً لزيادة ثروته أولاً، ولدعم الهيمنة الإعلامية للزمن الأميركي الجديد ثانياً.
كما سيجد الأوروبيون في الهيمنة الإعلامية خياراً فائق الخطورة في حربهم الهوياتية، أو حربهم ضد “الإرهاب” وضد الهجرة، وضد روسيا وما يتداعى من الحرب الأوكرانية، حتى بات الأمر عاجلاً، ودافعاً إلى إنشاء مراكز للدراسات والبحوث الخاصة في عدد من بلدانهم، استعداداً لهذا الصراع، ولما يتطلبه من تمويلات ومن توجيه وخبرات، وبالشكل الذي يجعله أكثر تأثيراً من “الحرب الساخنة” التي لا تتحمل أعباءها وتكاليفها.
صناعة درع التضليل وحماية الديمقراطية كما تسميه، أضحى خياراً واسعاً، لدعم توجهات خطاب الهوية الأوروبية، واستثمار طاقات الذكاء الاصطناعي وشبكات التحقق الإلكتروني، لكي تكون جزءاً من القوة المقبلة، والتي لن تنأى بنفسها بعيداً عن السياسة، ولا عن ثقافة السوق الحرة والاستهلاك، وهو ما يجعلها تنحاز إلى جعل سلطة الإعلام مركزاً مسؤولاً عن حماية ستراتيجيات السياسة والاقتصاد والأمن، لاسيما أن تكاليف الحرب المسلحة في أوكرانيا أضحت بالغة، وأن الأمن الأوروبي يتعرض إلى هزات كبرى، من خلال تضخُّم ظواهر التطرف والكراهية ضد الأقليات والمهاجرين، وصعود اليمين الأوروبي إلى مراكز القرار، وهو ما يدعو إلى مواجهة استثنائية تتجاوز أزماتها الداخلية، وتأهيل خطابها ليكون أكثر توازناً مع الصراع الدولي، ومع السياسات الأميركية ذاتها التي باتت أكثر توجهاً في دعم الأمن السيبراني، وفي تغذية مصادر الحرب الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، وإيجاد أشكال أخرى للاستقطاب السياسي، فضلاً عن دعم العسكرة الإعلامية من خلال تضخيم الأخبار حول “حلف الناتو” بوصفه القوة التي تحتاج إلى الطمأنة الإعلامية للتوسع الجغرافي، ولمواجهة إسقاطات حرب التجارة والجغرافيا، وتحديات الرعب النووي لروسيا والصين وكوريا الشمالية.