بغداد : نوارة محمد
رغم مرور أكثر من 50 عاماً على رحيل كوكب الشرق أم كلثوم، إلا أن اسمها لا يزال حاضراً في واحد من أقدم المقاهي ببغداد (مقهى أم كلثوم) أو ما يُعرف الآن (ملتقى الأسطورة) الذي يجسد اليوم نقطة التقاء محبي الطرب والفولكلور العربي الأصيل.
وهو واحد من أهم المقاهي التراثية التي شكلت ذاكرة الأجيال على مر سنوات، ووجهة السياح الأجانب والعرب والنخبة الثقافية، هذا المقهى الذي أسسه الحاج عبدالمعين الموصلي منذ ستينيات القرن الماضي يعد من الأمكنة التي كان لها دور أساسي في تشكيل شريحة نخبوية مثقفة ومنصة للإبداع والإنتاج، وهو عدا هذا وذاك أتاح فضاء واسعاً للنقاش.
منصات إبداعيَّة
عدنان الفضلي شاعر وصحفي قال لـ (الصباح) :" لم تكن المقاهي البغدادية القديمة التي يلتقي فيها المثقفون العراقيون مجرد مكان ترفيهي لقضاء أوقات الفراغ أو للعب بعض الألعاب الشعبية مثل الدومينو والطاولي، بل هي أمكنة ثقافية بحتة شهدت ووثقت النتاجات الإبداعية لأجيال عديدة من الأدباء والفنانين والصحفيين، حيث إن الأدباء في سنوات ما قبل 2003 وما بعدها كانوا يعدونها منصات إبداعية يطلقون من خلالها نصوصهم وآراءهم الأدبية، عبر حوارات مستفيضة."
مضيفاً :"وبالنسبة لي قبل انتقالي إلى العاصمة بغداد، كنت أزور بعض تلك المقاهي مثل مقهى حسن عجمي ومقهى أم كلثوم قرب شارع المتنبي ومقهى أبو ناطق في الصالحية، حيث كنت أجيء من مدينة الناصرية بين الحين والآخر من أجل لقاء الأصدقاء والتعرف على آخر ما يشهده الوسط الأدبي، كما كنت أستمتع بالمشاركة في النقاشات مع من سبقوني في هذا الوسط. مؤكداً :"المقاهي التراثية والثقافية منحتني الكثير، ومن خلال حواراتها تطوّرت ونمت تجربتي الشعرية والصحفية، فأنا بطبيعتي مستمع جيد، وأحرص على أن أستفيد من تجارب الآخرين، وكنت أجد ذلك في المقاهي تحديداً، حيث ما زلت وبعد انتقالي للسكن في بغداد عام 2006 أحرص على التواجد في المقاهي وخصوصاً مقهى الشابندر الذي صار هو الملتقى الأهم للأدباء. هذا المقهى الثقافي الذي ترتاده الطبقات العامة والمثقفة والأجيال جميعها يواجه التغير الحداثوي الهائل بتحدٍ كبير، إذ يصر على بث روح الفولكلور الأصيل، بدءاً من الموسيقى التي يبثها ونوع الأغاني وصولاً إلى اللوحات الجدارية المعلقة وليس انتهاء بالأثاث.
يقول أحمد علي كريم، وهو واحد من رواد المقهى :"وسط هذه التحولات الحديثة المزعجة يحافظ ملتقى الأسطورة على رمزيته، وأعتقد أن هذا أفضل ما يميزه، وأظن أنه أحد أهم الأمكنة التراثية الموجودة الآن في شارع الرشيد". مبيناً :"ومما يعزز أهمية الملتقى أن رواده غير مقتصرين على فئة معينة، على عكس ما هو رائج في الآونة الأخيرة، لا بل يتواجد الكاتب والشاعر والمطرب والرياضي. كما يأتي إليه بعض زوار شارع المتنبي بعد قضاء جولتهم".
ويرى الصحافي والروائي قيس حسن : "هذه المقاهي التي يرتادها المثقفون، ليست بالجديدة، بل تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وشكلت في فترة من الفترات ما يشبه المنتدى الثقافي، وكتب عن ذلك أغلب المثقفين العراقيين في حواراتهم أو مذكراتهم، اليوم هناك ولادة جديدة لهذه المقاهي ونشهد الكثير منها ومنها انطلقت الثقافة العراقية، ومقهى أم كلثوم الذي لا يزال يحافظ على بصمته الثقافية وروح الأصالة العريقة أنموذج حي".
متنفس للبعض
موضحاً :"وما يجعله حي أنه يسهم بتداخل الأجيال والثقافات فهناك نرى مختلف الأجيال والاهتمامات الثقافية والفكرية وأصبح جزءاً من يوميات البعض، لا بل يعده كثيرون متنفساً للتداول في الشأن العام والشأن الثقافي، فضلاً عن الجانب الشخصي، وأشد ما يثير فيه أنه أصبح معلماً من معالم المكان أو من معالم المدينة، وهذا يؤكد أنه نجح سواء من ناحية الشهرة أو الحضور"، مشيراً : "الجدير بالذكر أن منظمة (اليونسكو) صنفت العراق منذ سنين منطقة تراثية وأثرية وصنفت بغداد اليوم كعاصمة السياحة وهو ما يجعلها محط أنظار السياح والمدونين وصانعي المحتوى الذين بدؤوا يتوافدون إلى العراق وبغداد على وجه الخصوص، ولنا أن نتخيل لو أن الجهات الحكومية والمنظمات المختصة وضعت ذلك في حسبانها، لكان ذلك مدعاة فخر، نعم لدينا أمكنة سياحية و ثقافية بحاجة للإعلان عنها والدعوة على صعيد عالمي إليها."