عيش وشوف

ثقافة شعبية 2025/01/16
...

كاظم غيلان 




قبل رحيله عن الدنيا أصدر الشاعر التشيلي الكبير (بابلو نيرودا) مذكراته (أشهد أني قد عشت) ليروي ما رأى وأحس وعاش، كل ما حصل في حياته الزاخرة بإبداعه الشعري الذي توج بنيله جائزة نوبل. كانت حياته عاصفة بالأحداث التي عاش أدق تفاصيلها، موزعة بين الشعر والدبلوماسية والسياسة، بوصفه عضواً في الحزب الشيوعي التشيلي، ولذا وجد ضرورة ملحة في أن يروي للأجيال حياته من خلال إصداره 

هذا .

كلنا نعيش، وكلنا نرحل، وخلال حياتنا نرى ونسمع، وعلينا أن نقول ما حصل بأمانة؛ لتقرأ الأجيال شهاداتنا ولها الحق طبعاً في إطلاق أحكامها. 

في سياق أمثالنا العامية نقول(عيش وشوف) ولا أجد ما يمنع إن أضفنا(وأروِ) للناس حقيقة ما رأيت .

لقد عشت ما سيقترب بعد عام من عمر نيرودا، ولم أرو كل ماحصل، لكنني أتمنى ذلك .

عشت و(شفت) الكثير من الأحداث والأمنيات التي ذبحتها الحروب وأجهزت عليها الانكسارات، مثلما عشت و(شفت) الكثير من المسرات و(المسيرات) ولأروي لكم أول حلم قصفته الحرب وأحالته رماداً :

على مقربة من نهاية السبعينيات أنهيت خدمتي العسكرية الإلزامية، ولأن حياة جميلة قد ابتدأت اتفقنا نحن مجموعة من الأصدقاء أن نسافر خارج العراق لنكمل بهجة تسريحنا ورحنا ليلياً ننتخب دولة لزيارتها مثلما رحنا نكثر من استفساراتنا عن طريقة الحصول على جواز السفر وتصريف العملة والملابس التي نرزمها معنا، بل وحتى الهدايا التي نجلبها لأهلنا وحبيباتنا وأصدقائنا عند العودة إلى الوطن .

ماهي إلا بضعة أشهر وجرت الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ سافرنا دون جوازات، ولا تصريف عملة وبدلاً من الطائرة وجدت نفسي في المدرعة الروسية ptr60، وبدلاً من أن نستمع إلى الموسيقى الغربية مزقت آذاننا أصوات انفلاقات القنابل 

والراجمات .

عدت في أول إجازة لأهلي ببدلة عسكرية متربة، حاملاً ظروفاً فارغة من قنابر الهاون واجتمعت في المطعم ذاته مع أصدقائي الذين اتفقوا معي في الحلم الأول ذاته، وغنينا معاً : "احنه مشينه للحرب".

وعلى ذكر (عشت وشفت) يروى أن شخصاً كثير التحرش بالنساء اتفق مع أصدقائه، بأن يذهبوا به لمرقد الإمام علي(ع) ليقسم هناك بالكف عن فعله السيئ هذا، وعلى مقربة من الضريح عند الصباح توقف عند إحدى بائعات "القيمر" ليتناول فطوره، وإذ أدهشه جمالها راح ينشد :

(اشكد  عشت  وشكد شفت 

روحي غدت مرجوحه

بس ماشفت يابو الحسن 

كيمر يبيع بروحه