محمد غازي الأخرس
تذكرته وهو المقدسي الذي تخصص في البلدان والمدن وكتب كتاباً ممتعاً شهيراً عنوانه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم"، أعني أحمد بن محمد بن أبي بكر المقدسي البشاري، الجغرافي الذي طاف أكثر بلاد الإسلام، وتبحر بأسرارها حتى قال عنه أحد المستشرقين: لم يتجول سائح في البلاد كما تجول المقدسي. تذكرته وأنا أتابع، عبر التيك توك، تهافت الجوالين العرب على العراق، من الخليج ومصر وأوروبا والمغرب العربي. لكأنهم يكتشفون أن هناك سحراً اسمه العراق. نعم، هم سمعوا به وحلموا بزيارته كما يقول بعضهم، إلا أنهم ما كانوا ليتخيلوا سحره كما رأوا بأعينهم، وما كانوا ليدهشوا بناسه وثقافته الاجتماعية وطعامه كما لمسوا وذاقوا. تنظر إليهم فتعجب وتتساءل: فأين كنتم من هذا البلد، يوم كان يقطع بحراب الذباحين وأنتم تتفرجون أو تتخيلون شعبه كما رسمته الآلة الإعلامية التي نعرفها وتعرفونها. لقد رسمت حينذاك صورتنا كوحوش أو كقطعان من الممسوخين الذين خذلنا "بطلهم"، طاغيتنا. اليوم اختلف الوضع فصارت بغداد أجمل مدن المعمورة، وطعامها أطيب الطعام، غدت "الدولمة" و"المسكوف" و"قيمر العرب" من أعاجيب الدنيا. ألا فعودوا إلى سلفكم الذي أحبّ العراق قبل ألف عام، ووصفه بأجمل وأروع ما يمكن أن يصف رحالة بلداً. كتب المقدسي البشاري :"أطرف الأقاليم العراق، وهو أخف على القلب وأحدّ للذهن، وبها تكون النفس أطيب، والخاطر أدق، إذا كانت كفاية، وأجلها وأوسعها فواكه، وأكثرها علما وأجلة وبرداً المشرق.. وأكثرها صوفاً وقزّاً ودخلا على قدر الديلم، وأجودها ألباناً وعسلاً وألذها أخبازاً، وأمكنها زعفراناً الجبال..".. نعم ذاك هو العراق منذ ألف بل آلاف الأعوام، وهو كذلك اليوم، فتأمل أيها الرحالة الجديد.