تحدياتٌ جديدةٌ أمام مكافحة المخدرات
«الصباح» تفتح ملف التعاطي بين النساء..
بغداد: سرور العلي
تصوير: خضير العتابي
التقينا بـ (ن، ح)، التي تبلغ من العمر 24 عاماً، في قسم الاستشارة بمستشفى العطاء، حيث حضرت برفقة والدتها، وفضلت إخفاء هويتها. تبرر (ن، ح) تعاطيها للمخدرات بأنها كانت نتيجة لظروفها الأسرية الصعبة، حيث انفصل والدها عن والدتها، ما ترك أثراً نفسياً كبيراً عليها. بالإضافة إلى ذلك، كانت تتردد على ما وصفتهم "أصدقاء السوء" في محيط عملها بأحد المقاهي في بغداد، ما أسهم في انزلاقها إلى تعاطي المخدرات. وقالت في حديثها: "كانت المخدرات بالنسبة لي وسيلة للهروب من الواقع والتخفيف من الضغوط التي كنت أعاني منها".
أما (غ، ك)، التي تبلغ من العمر 28 عامًا، فقد حضرت إلى المستشفى لمتابعة حالتها بعد العلاج، معبرة عن سعادتها الكبيرة وشعورها ببدء حياة جديدة بعد أن تخلصت من إدمان المخدرات. وأكدت أنها الآن في مرحلة التعافي، حيث تمكنت من تجاوز التحديات التي واجهتها. نصحت (غ، ك) المتعاطين بضرورة ترك هذه الآفة التي تهدد حياتهم ومستقبلهم، مشيرة إلى أهمية التفكير في العلاج كخيار أفضل من الوقوع في دائرة الاعتقال والسجن.
وفقًا للدكتور مصطفى علي الساكني، مدير مستشفى العطاء لمعالجة الإدمان والتأهيل النفسي، فإن نسبة النساء تصل نحو 15 % من مجمل عدد المتعاطين، لكن هناك نسباً أعلى غير معلنة بسبب الخوف من الملاحقات العشائرية والوصمة المجتمعية. وأضاف في حديثه لـ"الصباح": أن الفتيات المدمنات تتراوح أعمارهن بين 18 و 30 عاماً، وغالباً ما يتعاطين حبوب "اللاريكا" لسهولة الحصول عليها من الصيدليات، كما أن هناك من يتعاطين مادة الكريستال.
وأشار الدكتور الساكني إلى أن المستشفى لا يملك قسماً خاصاً لرقود النساء بسبب الحاجة إلى كادر نسائي ومبنى منفصل، ويتم حالياً استقبالهن في المستشفى لغرض الاستشارة والعلاج، حيث تتم متابعة حالتهن بشكل أسبوعي. كما أن العلاج الطبي والنفسي يتم بسرية تامة وبشكل مجاني.
وأكد الساكني أن النساء والفتيات بحاجة إلى دعم وتشجيع من أسرهن للبدء في مرحلة العلاج، مشيراً إلى أن الدعم الأسري يعد من العوامل الأساسية التي تسهم في نجاح العلاج والتعافي.
حيدر منير، طبيب في مستشفى العطاء، أفاد بأن "هناك ثلاث مراحل للعلاج، وهي مرحلة التخلص من السموم لمدة أسبوعين، ومرحلة التأهيل النفسي لمدة ستة أشهر، ومرحلة المتابعة المستمرة، للحد من الانتكاسة والعودة للمخدرات، أما الأدوية والعلاجات المستخدمة فتكون بحسب الحالة".
وتابع حديثه لـ"الصباح" قائلاً: "للمخدرات أضرار جسدية، ونفسية كالكآبة واضطرابات الذهن، وتسبب على المدى الطويل الجلطات الدماغية، والخرف المبكر والشلل، إلا أننا نفتقر إلى الباحثين النفسيين، كما أن هناك نقصاً في الأدوية الخاصة بالحالات المزمنة، ما يدفعنا لاستخدام البدائل المتوفرة".
من جانبه أكد عبد الله خليل، طبيب في مستشفى العطاء في حديثه لـ"الصباح": "يحتاج المريض إلى دعم نفسي وأسري واجتماعي، ونحن في المستشفى نمنع عنه أي مادة مخدرة، فتصبح لديه أعراض انسحابية، كعدم النوم أو الانهيار العصبي، فنقوم باعطائه الأدوية، للقضاء على شهوته للمواد المخدرة، وللتخلص من السموم".
أثبتت الدراسات التي أجرتها الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، أنه بمجرد تناول المرأة للمخدرات أو الأدوية، فإن احتمال تحولها إلى الإدمان السريع وزيادة المادة المخدرة أكثر من الرجل، كذلك العودة لها بعد المعالجة، بسبب أن النظام الهرموني عند المرأة أكثر تعقيداً وتقلباً، ما يجعل تعاطي المخدرات يتداخل بشكل كبير مع الهرمونات، كما أن بعض النساء المتعاطيات قد لا يلجأن إلى المؤسسات الصحية، لخوفهن من الوصمة الاجتماعية.
تقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان آلاء الياسري: "نلاحظ في الآونة الأخيرة تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات، وبدأت بالرجال ثم انتقلت للنساء والفتيات، لتعاطيها والمتاجرة بها، وكانت نتيجة لتغيير طبيعة المجتمع العراقي خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى العوامل الاقتصادية، كالبطالة ما دفع ببعضهن للتجارة بالممنوعات للحصول على الأموال، ورواجها بين طالبات الثانوية والجامعات".
وأضافت في معرض حديثها لـ"الصباح" أن"هناك العديد من المؤشرات التي تدل على ارتفاع نسبة التعاطي بين النساء، كالتفكك الأسري، وصديقات السوء اللاتي يؤثرن بشكل كبير عليهن، عن طريق إغرائهن، بأن تلك المواد ستخفف عنهن ضغط الدراسة والمشكلات الأسرية، وأن تعاطيها سيجعلهن يشعرن بالسعادة والراحة، كذلك بسبب تغافل الأهل عن متابعة بناتهم".
وأكدت الياسري "أن ما يحدث في الجامعات وما يصلنا من أخبار، أمر مقلق، إذ يتم تعاطي هذه المواد بدواعٍ مختلفة منها أنها تزيد من التركيز في الدراسة، وهي مبررات وأكاذيب للتعاطي، كما أن للسوشيال ميديا دوراً كبيراً في زيادة الظاهرة، عن طريق التواصل واستدراج الفتيات بعلاقات، ومن ثم سحبهن للتعاطي والعمل بتجارة المخدرات، لتكون أداة سهلة للترويج، ومن أجل الحصول على ما اعتادت عليه من جرعات".
ووفقاً للحقوقية أنوار الخفاجي فإن اتساع ظاهرة المخدرات بين النساء في العراق يشكل تحدياً مضاعفاً. وقانونياً يعاقب القانون العراقي على حيازتها وبيعها وتعاطيها بالاعدام والسجن والغرامات، وفقًا لقانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 النافذ في المواد، (28، 29، 30، 31، 32)، للحد من هذه الظاهرة وتجفيف منابعها من خلال تشديد العقوبات.
وأكدت في حديثها لـ"الصباح"، "ضرورة تعزيز التوعية المجتمعية، وتقديم برامج إعادة التأهيل والدعم النفسي والاجتماعي للنساء المتعاطيات، بجانب تشديد الرقابة القانونية، والتصدي لهذه المشكلة يتطلب تعاونًا بين الحكومة، والمؤسسات الأهلية والأسرة، لضمان حماية النساء والمجتمع من آثارها المدمرة".
تقول المحامية والبرلمانية السابقة ريزان شيخ دلير: "من المعروف أن النساء حين يكونن مهمشات وبمستوى مادي متدنٍ، سيتعرضن للاستغلال ودفعهن للتجارة بالمخدرات وتعاطيها، إن الكثيرين لا يتوقعون بأن المرأة ستتورط في تلك العمليات، ودائماً ما تستخدم لا سيما في المناطق الفقيرة، للعمل في هذه التجارة".
وأكدت في حديثها لـ"الصباح"، أنه "من الضروري أن تهتم الحكومة بهذا الجانب، خاصة بشريحة النساء اللواتي يعانين من الفقر والحرمان، كالمطلقات والأرامل والفتيات الخريجات العاطلات عن العمل، وتوفير فرص الوظائف لهن أو إنشاء المشاريع التجارية، لكي لا يلجأن إلى الانخراط بطرق التعاطي والتجارة بالممنوعات، واستغلالهن من قبل شبكات منظمة، كذلك العمل على خطة استراتيجية لحمايتهن، وتوعيتهن بخطورة الظاهرة".
وترى رئيسة منتدى الإعلاميات العراقيات، د.نبراس المعموري، أن المخدرات بين النساء والفتيات ظاهرة مقلقة، بحاجة إلى معالجة شاملة على المستويين الفردي والمجتمعي.
وتضيف لـ"الصباح" قائلة: "تلجأ بعض النساء والفتيات إلى طريق التعاطي أو المتاجرة بالمخدرات، للهروب من المشكلات والضغوط التي يعانين منها، كالتعرض للعنف النفسي والجسدي أو نتيجة للفقر والبطالة، وقد تكون الفتاة أو المرأة تحت ضغط من أشخاص مقربين، يدفعونها لتعاطي المخدرات أو الاتجار بها، كما أن بعض الأعمال الفنية أو الحملات الإعلامية تعمل على تطبيع صورة تلك المواد، وسهولة الحصول عليها بأسعار زهيدة، أو من خلال شبكات قريبة".
وشددت المعموري على ضرورة التوعية بمخاطر الظاهرة، من خلال حملات توعوية مكثفة تستهدف النساء والفتيات، وتعزيز الوعي في المدارس والجامعات حول أضرار المخدرات وآثارها الصحية والاجتماعية، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي بتوفير خدمات دعم نفسي، للنساء اللاتي يعانين من مشكلات عاطفية أو اجتماعية.
وطالبت المعموري بتشديد الرقابة على توزيع وبيع المواد المخدرة، ومعاقبة المتاجرين بها، وتعزيز القوانين الرادعة، كما من المهم إعادة التأهيل والعلاج بإنشاء مراكز علاج وتأهيل مخصصة للنساء، تقدم خدمات طبية ونفسية واجتماعية شاملة، وتوفير برامج تدريب وتأهيل للمتعافيات، لمساعدتهن على إعادة بناء حياتهن.
نساء ضمن شبكات التجارة
يقول أرشد الحاكم، المتحدث باسم جهاز الأمن الوطني: "تم القيام بعمليات نوعية وكمائن محكمة، والقاء القبض على متهمين بالجرم المشهود، وتفكيك (4)، شبكات دولية من قبل جهاز الأمن الوطني، وبينهم تجار من جنسيات أجنبية وكان من ضمنها نساء".
وفي حديثه لـ"الصباح" أوضح الحاكم أن الجهاز مستمر في العمل على هذا الملف، لا سيما في ما يتعلق بالنساء، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الأخرى، وبالتنسيق مع إقليم كردستان الذي يبذل جهداً في مكافحة تلك الظاهرة، وللحد من نقل أو تجارة وتهريب المخدرات".