سيمون تيسدل
ترجمة: حميد ونيس
أخيراً اتفاق وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره بين حماس والكيان مقابل تبادل الأسرى يحدث. إنه مرحَّب به. لكنه يشبه الجليد الرقيق الذي يغطي مياهاً عميقة، فهو هشٌّ للغاية وقابلٌ للتشقق تحت أدنى ضغط. وهو أيضاً متأخر بشكل يائس ومميت. عشرات الآلاف من الفلسطينيين والعديد من الإسرائيليين فقدوا حياتهم منذ أيار الماضي، عندما وضع الرئيس الأميركي، جو بايدن، لأول مرة معايير هذا الاتفاق. وما زال المدنيون يقتلون في الضربات الجوية الإسرائيلية التي اشتدت بالفعل منذ أن وقع الطرفان على الاتفاق في قطر.
الفلسطينيون في غزة وأماكن أخرى يشعرون بطبيعة الحال بالارتياح لاتفاق وقف إطلاق النار لأن استمرار القصف الإسرائيلي الذي لا يرحم سيتوقف قريباً. لكن احتفالات الفلسطينيين بهذا الاتفاق تخيم عليه مخاوف بشأن المستقبل، وحزن عميق وغضب على الحاضر والماضي القريب المروِّع. وفقاً لأرقام وزارة الصحة في غزة، استشهد أكثر من 46 ألف شخص هناك منذ السابع من تشرين الأول 2023.
معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نازحون. معظم منازلهم وأحيائهم مدمرة. يعاني معظمهم من نقص في الغذاء والماء. الجوع، الذي يقترب من المجاعة، ويشكل تهديداً يومياً. تم تدمير المستشفيات ونظام الرعاية الصحية. ظهرت مدن خيام حيث كانت توجد مدن حقيقية. الأطفال ربما هم أكبر الضحايا. الناجون منهم مصدومون. فشل العالم الذريع في وقف هذه الإبادة بحق الأبرياء لن يغتفر أو ينسى.
لماذا استغرق التوصل إلى الاتفاق كل هذا الوقت، هو والكثير من الأمور الأخرى، كانت محلَّ خلاف. يتهم خصوم بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، وعائلات الأسرى، بعرقلة متابعة اتفاق وقف إطلاق النار المحدود وتبادل الأسرى في تشرين الثاني2023 للبقاء في السلطة. كان نزاعاً في اللحظة الأخيرة حتى آخر تصويت مجلس الوزراء الكيان للموافقة على الاتفاق. وحتى الآن، لم يتم حسمه بالكامل.
وزير الأمن القومي اليميني المتطرف في إسرائيل، إيتمار بن غفير، تفاخر هذا الأسبوع بأنه سبق أن عرقل الصفقة التي يراها خيانة. وقال بن غفير متباهياً: “نجحنا في العام الماضي، من خلال قوتنا السياسية، في منع هذه الصفقة من المضي قدماً”. هو ووزير المالية المتشدد، بتسلئيل سموتريتش، لديهما الكثير مما يجب أن يجيبوا عنه. ومع ذلك، يقال إن نتنياهو يحظى بدعم كاف لتمرير الاتفاق.
يتنافس العديد من الأطراف على الادعاء بالفضل في التوصل إلى الصفقة، ويتصدَّرهم دونالد ترامب، الرئيس الأميركي المنتخب. ويقال إن مبعوثه ستيف ويتكوف مارس ضغوطاً شديدة على إسرائيل للتنازل عن جوانب رئيسية، مثل سحب القوات على طول الحدود بين غزة ومصر.
وحذر ترامب حماس من أن “الجحيم كله سينفجر” إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى قبل توليه منصبه . ورغم فشله الطويل والمدمر في كبح جماح نتنياهو، يرى بايدن الاتفاق كإنجاز يضيفه إلى إرثه.
في الوقت نفسه، مارست دول الخليج العربي وتركيا ضغوطاً على حماس. وكان للوسطاء القطريين والمصريين الدور الكبير في هذه الصفقة. ومع ذلك، من الغريب والمثير للاشمئزاز أن ترامب، العدو الأكبر لحقوق الفلسطينيين، يجلس متبجحاً في فلوريدا متقمصاً دور صانع السلام. هذا الدور من غير المرجح أن يستمر طويلاً. الآن بعد أن نفذ نتنياهو إرادة ترامب، هو وحلفاؤه المتطرفون من القوميين الدينيين سيطلبون دعما أمريكياً للسيطرة المستقبلية على غزة وضم الضفة الغربية.
كما قد يسعى نتنياهو للحصول على دعم لمشروعه المفضل تدمير المنشآت الإيرانية.
عائلات وداعمو الأسرى الإسرائيليين المتبقين لديهم أيضاً سبب للاحتفال الحذر لأن عدد الأسرى الذين ما زالوا على قيد الحياة غير واضح بعد، وعددهم الدقيق ومن سيتم الإفراج عنه في المرحلة الأولى من الصفقة، بافتراض عدم حدوث انتكاسات مفاجئة. سيتم التدقيق في الحالة الجسدية والنفسية للأسرى. إذا كان هناك شيء مؤكد، فهو أن هذا الاتفاق المعقد قد ينهار في أي لحظة. المعلقون الإسرائيليون يتوقعون بالفعل أن الحرب قد تستأنف بعد المرحلة الأولى التي تستمر ستة أسابيع. لتجنب هذا السيناريو الكارثي، يجب تنسيق وقف كامل للنزاع المسلح، الإفراج عن الأسرى بدقة، إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين بالمقابل، انسحاب جزئي تدريجي للقوات الإسرائيلية، استئناف تسليم المساعدات الدولية من دون عوائق، وعودة النازحين إلى شمال غزة بشكل منظم. أي خلل في هذه العناصر المتحركة قد يتسبب في انهيار الاتفاق بالكامل. ومن جانب آخر، لم يتم تناول مسألة الحكم المستقبلي لغزة في هذه الصفقة ويرجع ذلك أساساً إلى انعدام التوافق. وقال وزير الخارجية الأميركي المنتهية ولايته، أنتوني بلينكن، هذا الأسبوع عن تشكيل “واقع جديد” في شرق أوسط متكامل. وفي غزة، اقترح البيت الأبيض إدارة مؤقتة تديرها سلطة فلسطينية معاد تشكيلها ومتصلة بالضفة الغربية، مدعومة من شركاء إقليميين وبتمويل لإعادة الإعمار. في هذا السيناريو، قال بلينكن: إن "حماس لن يسمح لها مجدداً بتولي السلطة، ولن يسمح لإسرائيل بالاحتلال العسكري أو ضم أجزاء من غزة بشكل دائم". وفي لحظاته الأخيرة في المنصب، لم يتردد بلينكن في الحديث بصراحة. قال: إن أفعال إسرائيل في غزة جندت مقاتلين جدد لحماس بعدد مماثل لمن قتلتهم. وأضاف أن معظم الإسرائيليين لا يعرفون الأمور “اللاإنسانية” التي تقوم بها حكومتهم وجيشهم باسمهم. وأوضح أن المزيد من الاحتلال والضم سيضمن حرباً دائمة؛ وأن إسرائيل لن تجد الأمان بهذه الطريقة. وحذر قائلاً: “يجب على الإسرائيليين أن يقرروا طبيعة العلاقة التي يريدونها مع الفلسطينيين. لا يمكن أن تكون هذه العلاقة قائمة على وهم قبول الفلسطينيين بأن يكونوا شعباً بلا حقوق وطنية".
هذه الحقائق غير مقبولة بالنسبة للقيادة الإسرائيلية الحالية، وخاصة نتنياهو، الذي يعارض بشدة الحلَّ الدائم. ومع ذلك، قد تكون هذه النقاشات في الغالب نظرية. بلينكن وبايدن على وشك مغادرة منصبيهما، وترامب لا يقدم أي التزام مماثل أو رؤية لتسوية عادلة ودائمة. يرى ترامب أن إنهاء الحرب في الشرق الأوسط ليس أكثر من فرصة تجارية. وقف إطلاق النار مرحب به، ونأمل أن يستمر. لكن من الصعب تخيل سلام دائم بينما نتنياهو في السلطة. إذا انتهت هذه الحرب بشكل نهائي، يجب أن تجرى انتخابات ويجب أن يكون هناك حساب في إسرائيل وفي المحاكم الدولية. بالنسبة لنتنياهو، الذي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب، لن تنتهي الأمور حتى يقف في قاعة المحكمة في لاهاي ليجيب عن الأشياء الرهيبة التي فعلها.
صحيفة الغارديان البريطانية