بغداد: عواطف مدلول
بعد تقاعده من عمله كأستاذ متخصص في الهندسة الإلكترونية، قرر التدريسي أن يوجه اهتمامه لاكتشاف بلده عن قرب. وعلى مدى سنتين من العمل والبحث، تمكن من إصدار كتاب يسلط الضوء على أبرز المواقع الأثرية التي تعكس حضارة العراق وتاريخه العريق. كان الهدف من هذا الكتاب هو تعريف الشباب بشكل خاص والمجتمع بشكل عام بتلك المواقع التاريخية المهمة، لزيادة الوعي بقيمة التراث الثقافي العراقي وتعزيز فهم الأجيال الجديدة لحضارة بلادهم.
اختار السيد أكثم حسن التميمي عنوان "اعرف بلادك" لمطبوعه الذي أصدر الجزء الأول منه في العام 2023، ثم أصدر الجزء الثاني في العام الجاري 2025.
تتضمن محتويات الجزأين سلسلة من المقالات التعريفية بالمواقع المختلفة التي تمت زيارتها في العراق، مدعمة بصور موقعية لهذه الأماكن التي تتميز بصفاتها الحضارية والتراثية والثقافية.
وقد شملت المقالات تغطية شاملة من أقصى نقطة في شمال العراق إلى أقصى نقطة في جنوبه، ومن مدنه الغربية إلى الشرقية، حيث بلغ عدد المواقع التي تمت زيارتها حوالي 350 موقعًا، ما يعكس التنوع الغني للتراث الثقافي والحضاري في العراق.
تعزيز هوية الانتماء
يقول التميمي: الغرض الأساسي من هذا العمل هو تقديم الوجه الحضاري والتراثي والثقافي لبلدنا ذي التاريخ الزاخر بالمفاخر، وتعزيز ثقة المواطن بانتمائه الوطني، ما يعمق عند القارئ هوية الانتماء والفخر بذلك، وعظم تاريخ وإنجازات بلاده، كذلك السعي لاكتشاف التنوع والجمال في بلادنا من النواحي الجغرافية والاجتماعية والثقافية، والسعي لدعم الاقتصاد الوطني من خلال تنشيط السياحة الداخلية، إضافة لتعزيز فرص التعلم حول التاريخ والجغرافية وطرق المواصلات والتراث الثقافي للمجتمع العراقي المتنوع الأطياف والعادات، والتشجيع على القيام بالزيارات الميدانية لتلك المواقع لتحسين الصحة النفسية والجسدية أيضاً، وتفجير الطاقات الإبداعية من خلال التعرض لمواقف مختلفة قد لا تجدها إلا في السفر والانتقال، والتركيز على الوحدة الوطنية بين أثنيات وطوائف وقوميات الشعب العراقي من خلال تحسين مهارات التواصل مع أبناء شعبنا.
اختراع الكتابة
وأضاف : بعد كل هذه المشاهدات لا بد أن نفتخر بتاريخ بلادنا العريق، وإن الذي أنتج كل هذا الكم العظيم من المآثر قادر على أن يعيد للحاضر رونقه وللبلد زهوه وكبرياءه.
وأوضح التميمي قائلاً: وثقت كثيراً من المواقع التي يزخر بها تاريخ أرض مابين النهرين العظيمة: منها آثار أول مدينة في العالم بصناعة أبجديات الحرف في الوجود، وقد شعرت بعظمة أرض الرافدين حين وقفت على تلك الرمال التي تقع جنوب مدينة السماوة، وكأني أسمع ذرات الرمل في ذلك الموقع وهي تصدح في الأثير، أنا ابن الرافدين قد علمت العالم الحرف قبل آلاف السنين، فمن اخترع الكتابة سيخرق حجب الظلام ليبزغ النور من
جديد.
صدارة العواصم
وعن شحة الكتب في هذا المجال يشير التميمي : إذا توفرت فهي مكتوبة بأسلوب أكاديمي قد لا يراه الكثير من أبناء شعبنا مناسباً وسلساً في القراءة إلا لذوي الاختصاص، أما كتاب (اعرف بلادك) فقد كتب بطريقة مبسطة، تكون في متناول كل المستويات الثقافية.
وبخصوص اختيار بغداد عاصمة السياحة العربية لهذا العام يرى أن ذلك استحقاق يفرضه وجود بغداد عبر التاريخ، بما كانت لهذه المدينة من صفحات كبيرة وعظيمة في تاريخ العرب والمسلمين وحتى على صعيد الانسانية، لذلك نقول ألف مبارك لبغدادنا الحبيبة عودتها إلى صدارة العواصم في مجال السياحة وإن شاء الله مزيداً من خطوات الدعم لبلوغ النجاح والتميز.
فرق آثاريَّة
واختتم التميمي حديثه بتقديم التحايا للفرق والكروبات التطوعية الآثارية، التي بدأت تتشكل بالسنوات الأخيرة في العراق
قائلاً: للتاريخ فإن تلك الفرق الثقافية هي من أخذت بأيدينا وساعدتنا في الوصول إلى مواقع بلاد مابين النهرين بطريقة سهلة وجميلة وواطئة الكلفة، وأجد أنها مظلومة إعلاميا، فإذا أردنا أن ننشط السياحة الداخلية في بلادنا علينا أن ندعم تلك الفرق، بما نتمكن من الوسائل المتاحة لهم الشكر والتقدير والاحترام واتمنى أن يستمروا في هذا المجهود الوطني الثقافي.