أ. د. حيدر شاكر خميس
منذ استقلال الولايات المتحدة الأميركيَّة عن بريطانيا وعلى مدى 236 عاماً، أقيمت مراسم تنصيب 45 رئيساً للبلاد، جرى أداء اليمين الدستوريَّة فيها 73 مرة، ويعود هذا التباين العددي لسببين، الأول هو أداء الرئيس لليمين في بداية كل ولاية حتى إذا كانت ولاية ثانية، والثاني هو مصادفة يوم التنصيب في يوم الأحد، ولذلك فإن أربعة من الرؤساء قاموا بأداء اليمين الدستوريَّة بشكلٍ غير رسمي، ثم أدوها ثانية يوم الاثنين، وهم الرئيس التاسع عشر رذفورد هايز في العام 1877، والرئيس الثامن والعشرون وودرو ويلسون في العام 1917، والرئيس الرابع والثلاثون دوايت ايزنهاور في العام 1953، والرئيس الأربعون رونالد ريغان في العام 1985، كما أن الرئيس الحادي والعشرين تشيستر آرثر أدى اليمين الدستوريَّة بشكلٍ غير مباشرٍ بعد اغتيال سلفه جيمس جارفيلد، ثم قام بتأديتها بشكلٍ رسمي بعد يومين في العام 1881.
أقيمت مراسم التنصيب لأول مرة في 30 نيسان 1789 عندما أدى جورج واشنطن اليمين الدستوريَّة في مدينة نيويورك، ثم جرى التقليد على أنْ يتمَّ تنصيب الرئيس المنتخب في يوم الرابع من آذار من العام الذي يلي عام الانتخابات، إذ كان الأمر بضعة شهور من أجل فرز أصوات الناخبين وسفر الرئيس المنتخب الى العاصمة، لكنَّها غُيّرت بموجب التعديل العشرين للدستور الذي صدر في العام 1933، فأصبح التنصيب يتمُّ في يوم 20 كانون الثاني من العام الذي يلي عام الانتخابات.
استمع الأميركيون إلى خطابات تنصيب الرؤساء المنتخبين، اختلفت باختلاف شخصيَّة وخلفيَّة وطباع وصفات الرئيس المنتخب، فضلاً عن تأثيرات البيئة التي نشأ فيها، ريفيَّة أو مدينة، من ولايات الشرق أو الغرب وربما الجنوب، غير أنَّ المؤكد فيها جميعاً أنَّ معظمها جاء في طريق تحفيز الشعب الأميركي وطمأنته وتوجيهه، والمؤكد أنَّ بعض تلك الخطابات لاقى إقبالاً كبيراً من الأميركيين، بينما البعض الآخر لم يلق المكانة ذاتها، وهو أمرٌ طبيعيٌّ، لا سيما مع أحوال البلاد السياسيَّة المتغيرة منذ حرب الثورة الأميركيَّة (1775 – 1883)، مروراً بالحرب الأهليَّة الأميركيَّة (1861 – 1865)، وصولاً إلى الحرب العالميَّة الثانية (1939 – 1945) ومن ثم الحرب الباردة (1945 – 1991)، وحتى الآن، فالنظام العالمي دائماً متغيرُ المعالم ومتأرجحٌ في موازين
القوى.
كان أقصر خطاب تنصيب هو الذي ألقاه الرئيس الأول جورج واشنطن في دورته الثانية، ففي 4 آذار 1793 ألقى واشنطن في قاعة مجلس الشيوخ في مدينة فيلاديلفيا بولاية بنسلفانيا خطاباً لا يتعدى 135 كلمة فقط، اقتصر على التزامه ببنود الدستور الأميركي واستعداده للدفاع عنه وحمايته.
بينما وقف الرئيس التاسع وليم هنري هاريسون في يوم الخميس 4 آذار 1841 في يومٍ باردٍ وممطرٍ لمدة ساعتين ليقرأ خطاباً مكوناً من 8845 كلمة ويدخل التاريخ بأنَّه صاحبُ أطول خطاب تنصيب رئاسي أميركي، وكان هاريسون في ذلك اليوم يبلغ من العمر 68 سنة، وهو أكبرُ رئيسٍ منتخبٍ حينها، (استمرَّ ذلك حتى تولي ريغان المنصب عام 1981)، وأدت حماسته ورفضه ارتداءه ملابس مناسبة للجو، وإصراره على إلقاء الخطاب الطويل في الهواء الطلق الى إصابته بمرض الالتهاب الرئوي، الذي أدى الى وفاته بعد 31 يوماً فقط من توليه الرئاسة، ليصبح بذلك الرئيس الأقصر حكماً، فضلاً عن أنَّه أولُ رئيسٍ يتوفى خلال تولي مهامَّ منصبه في التاريخ
الأميركي.
لا ينصُّ الدستور الأميركي على ضرورة أداء القسم على الكتاب المقدس، وأول من قام بذلك هو الرئيس الأول جورج واشنطن في العام 1789، وسار على نهجه الرؤساء الذين جاؤوا بعده، لكنَّ التاريخ لم يخل من بعض الاستثناءات، فالرئيس السادس جون كوينسي آدامز استخدم في حفل تنصيبه عام 1825 كتاباً في القانون، بينما لم يلجأ الرئيس السادس والعشرون تيودور روزفلت لأي كتابٍ في حفل تنصيبه عام 1901، بينما اختار الرئيس الخامس والثلاثون جون كينيدي في العام 1961 وهو أول رئيسٍ كاثوليكي للولايات المتحدة، الكتاب المقدس الخاص به.
شهد التاريخ العديد من التغييرات في مكان مراسم التنصيب تبعاً لتغير العاصمة، إذ أقيمت لأول مرة في العام 1789 في مبنى فيدرال هول في ولاية نيويورك، ثم انتقلت في العام 1793 الى مبنى مجلس الشيوخ في مدينة فيلاديلفيا في ولاية بنسلفانيا عاصمة البلاد آنذاك، وأقيمت لأول مرة في واشنطن عندما جرى تنصيب الرئيس الثالث توماس جيفرسون عام 1801، وذلك بعد عامٍ واحدٍ على اتخاذ واشنطن عاصمة للبلاد.
أقيمت مراسم التنصيب في المدة بين عامي (1829 – 1977) في الرواق الشرقي للكابيتول، باستثناء حفل تنصيب الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1945 الذي أقيم في البيت الأبيض، بينما بدأت حفلات التنصيب منذ تنصيب رونالد ريغان عام 1981 تقام في الرواق الغربي لمبنى الكابيتول.
كان حفل التنصيب الوحيد الذي جرى من دون موكبٍ خلال يوم تنصيب الرئيس السابع اندرو جاكسون في العام 1829، وذلك حداداً على زوجته راشيل جاكسون التي توفيت قبل ذلك اليوم بشهرين، بينما كان حفل تنصيب الرئيس الرابع والثلاثين دوايت ايزنهاور في العام 1953 هو الأكبر، إذ شاركت فيه 53 فرقة موسيقيَّة وخيولٌ وفيلة، واستمر الاستعراض أربع ساعات ونصفاً.
أما أبرز الأحداث التي شهدتها مراسم التنصيب فهو اشتعال النيران بسبب تماسٍ كهربائي في المنصة الرئاسيَّة أثناء تنصيب الرئيس الخامس والثلاثين جون كينيدي في العام 1961، قبل أنْ يتمكن المختصون من إخمادها بسرعة، بينما كان الرئيس التاسع والثلاثون جيمي كارتر أول رئيسٍ يسيرُ على قدميه في طريق الاستعراض من مبنى الكونغرس الى البيت الأبيض، وذلك في العام 1977، وهو تقليدٌ لم يتمّ الاستمرار عليه بسبب الهواجس من قبل الرؤساء
المنتخبين.