علي حسن الفواز
كشف برنامج تنصيب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب عن معطيات رمزية، لها دلالاتها السياسية والاقتصادية، فبقدر الحرص على صناعة مشهد حاشد لهذا البرنامج، فإن التعبير عن سيميائية القوة الرئاسية كان حاضراً، وبإشارات واضحة، على المستوى الأمني، أو على المستوى الإعلامي، وعلى نحو أعطى للتنصيب في القاعة المستديرة في مبنى الكابيتول بعداً تاريخياً ونفسياً، ليس بعيداً عن إحياء ذاكرة هجوم اتباع الرئيس في ولايته الأولى، ولا عن الإشارة إلى "الدفء السياسي" الذي يحمله الخطاب الرئاسي والمراسم الأخرى.
إقامة مراسم التنصيب في مقر الكونغرس / الكابيتول تتجاوز المألوف الرئاسي، ورمزية الأماكن التي اعتادها رؤساء الولايات المتحدة، فآخر يمين دستورية في هذا المبنى أداها الرئيس الأسبق رونالد ريغان، ولأسباب تتعلق بظروف مناخية صعبة، لكن قصدية الرئيس ترامب مزجت بين المناخ والسياسة، عبر الاختيار، وعبر التعبئة الإعلامية الواسعة والتحشيد السياسي، وعبر نشر أكثر من 25 ألفاً من عناصر الأمن والجيش، فضلاً عن مشاركة واسعة من مناصريه، ومن شخصيات سياسية ورياضية وفنية.
تظل عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض تثير جدلاً واسعاً، على مستوى سياساته في مواجهة أزمات وصراعات دولية مفتوحة، وعلى مستوى ما سيقوم به من إجراءات أُعلن بعضها في برنامجه الانتخابي، والتي تخص أخطار ما يهدد التوازن التجاري العالمي، والتنافس العسكري، والخيارات الستراتيجية في التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط وأوكرانيا، وملفات البرنامج النووي الإيراني وكوريا الشمالية، وكذلك الإجراءات إزاء آفاق ضم دول جديدة إلى الحلف الأطلسي، وهذا ما يجعل المرحلة المقبلة مكشوفة على تحديات صعبة، تخص برغماتية سياسات الولايات المتحدة في هذه المنطقة أو تلك، وبالاتجاه الذي يعطي انطباعاً عن طبيعة المتغيرات التي سيعمد إليها الجمهوريون في معالجة الملفات التي أخفق فيها الديمقراطيون، لاسيما ملف الحرائق الكبيرة التي تعرضت لها كاليفورنيا.
لقد تحولت رمزية التنصيب الرئاسي إلى احتفاء انتخابي، وإلى ردة فعل لمحو ذاكرة محاولات اغتياله خلال حملته الانتخابية، فضلاً عن انعكاسها على يوميات السوق الأميركية، حيث ارتفعت المضاربات التجارية، والعملات الرقمية المشفَّرة إلى مليارات الدولارات، لكن أخطر ما يواجه سياسة ترامب الداخلية، يكمن في المخاوف من إجراءاته الخاصة بالهجرة وحقوق الأقليات العرقية والدينية، وقضايا المناخ والتجارة، والتي استبقها قيام جماعات الهجرة والنساء وحقوق الإنسان بتظاهرات واسعة تحذيراً من مواقف يمكن أن يقدم عليها الرئيس ترامب خلال ولايته الرئاسية الثانية.