هدير.. قصة امرأة تواجه مصاعب الحياة بأربع عجلات
بغداد : سجى عماد
تصوير : علي قاسم
تعيش هدير (32 عاماً)، حياة مليئة بالتحديات بعد أن أصبحت المعيلة الوحيدة لأطفالها الثلاثة إثر انفصالها قبل نحو ثلاث سنوات. وعلى الرغم من أن مهنة قيادة سيارة الأجرة توفر لها دخلا يساعدها على تلبية احتياجات أسرتها، إلا أن وضعها ليس فريداً، إذ تعد واحدة من العديد من النساء اللواتي يعيلن أسرهن ويواجهن صعوبات الحياة اليومية.
"هدير" واحدة من عشرات آلاف النساء العراقيات اللواتي يقمن بتوفير دخل ثابت لأسرهن في ظل غياب المعيل أو بعد الطلاق. ورغم تحديات الحياة، ما زالت تبذل جهداً كبيراً لتحقيق حياة مستقرة لأولادها. تقول "هدير" التي تعمل سائقة سيارة أجرة في إحدى الشركات المحلية "الواقع صعب، لكن لا يوجد خيار آخر. يجب أن أعمل بكل طاقتي لتأمين مستقبل أفضل لأولادي وسداد بدل الايجار للمنزل الذي أسكنه".
وفقًا للنتائج الأولية للتعداد السكاني الذي أجرته وزارة التخطيط عام 2024، بلغت نسبة الأسر التي ترأسها أو تعيلها نساء أكثر من 11 بالمئة، مقابل 89 بالمئة يرأسها أو يعيلها رجال. هذه النسب تعكس واقعاً اجتماعياً معقداً، حيث تكون النساء في مواجهة مستمرة مع الأعباء الاقتصادية، خصوصاً في ظل ارتفاع نسب الطلاق والظروف المعيشية الصعبة.
وتتفاوت هذه النسب بشكل ملحوظ بين الريف والحضر. ففي المدن الكبرى، التي تشكل نسبة 70.3% من سكان العراق، تواجه المرأة تحديات أكبر في التوفيق بين العمل والحياة الأسرية. بينما في المناطق الريفية، التي تمثل 29.7% من السكان، قد تواجه النساء صعوبات أخرى، تتعلق بالتقاليد الاجتماعية وأحياناً ضعف الفرص الاقتصادية.
هذه الأرقام، التي أعلنها المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، تبرز واقعاً صعباً تواجهه النساء في العراق، ويعد تحدياً اجتماعياً واقتصادياً يتطلب تضافر الجهود الحكومية والمجتمعية لتحسين وضع النساء المعيلات لأسرهن.
تقول الناشطة في حقوق المرأة، المحامية اسراء الخفاجي: إن العديد من النساء، وخاصة الفتيات والطالبات، يواجهن تحديات كبيرة في حياتهن اليومية، سواء في مجال العمل أو الدراسة، مشيرة في حديثها لـ"الصباح" إلى أن الكثير منهن معيلات لأسرهن، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك من خلال العمل في وظائف مختلفة لدعم أسرهن. ومع ذلك، لا تقتصر معاناة المرأة على كونها معيلة، بل تشمل التحديات الاجتماعية والنظرة المجتمعية التي تُصوّرها على أنها ضعيفة أو غير قادرة على تحمل المسؤولية، وهو ما يُعزى إلى الطابع الذكوري السائد في المجتمع العراقي.
وأضافت الخفاجي أنه "على الرغم من هذه التحديات، تمكنت المرأة من إثبات قدرتها على النجاح ومواجهة الصعوبات والاستمرار في العمل والتفوق في العديد من المجالات.
وأشارت إلى أن "قضية التحرش تظل من أكبر القضايا التي تواجه النساء، بحيث أصبحت هذه الظاهرة مشكلة اجتماعية تؤثر في النساء بمختلف أعمارهن، سواء في العمل أو في الشارع. وبينما تعاني النساء من هذه الظاهرة في العديد من المجالات، تظل القوانين المخصصة لحمايتهن ضرورة لضمان بيئة آمنة وسليمة".
وترى الخفاجي أن "الوعي المجتمعي في العراق ما زال يعاني من نقص كبير في فهم دور المرأة بشكل صحيح"، مضيفة "الكثير من الناس ما زالوا يعاملون المرأة على أنها مخلوق محصور في البيت والمطبخ فقط، متجاهلين حقيقة أن دورها يمكن أن يتعدى ذلك، فكل امرأة لديها مسؤوليات أسرية وواجبات تجاه أسرتها، ولكن هذا لا يعني أنها لا تستطيع أن تكون عاملة، أو أن تكون مجبرة على التقصير في واجباتها المنزلية أو الأسرية".
وأكدت أن المرأة، في جميع أنحاء العالم، أثبتت قدرتها على تحمل المسؤوليات والعمل بجد في مختلف المجالات، فهي قادرة على مواجهة ضغوطات العمل، إضافة إلى ضغوط الحياة اليومية.
ونوهت الخفاجي إلى أن المرأة العاملة تكون عادةً مخلصة في عملها ومثابرة، ولا يمكن أن تُحاكم بناءً على هدفها المشروع في إعالة أسرتها أو الأشخاص المسؤولين عنهم. إنما المشكلة تكمن في الوعي الاجتماعي المغلوط الذي يرفض تقبل دور المرأة في المجتمع كعاملة، ويقلل من احترامها وتقديرها".
"تُظهر الدراسات أن النساء يعانين من ضغوطات إضافية مقارنة بالرجال نتيجة لمجموعة من العوامل مثل القلق بشأن الأجور، وقلة الفرص للتطوير الوظيفي والترقية، إضافة إلى فجوة الأجور بين الجنسين".
بهذه العبارة بدأت الخبيرة في علم النفس والاستشارات النفسية الدكتورة دنيا عبيس حديثها لـ"الصباح". وأضافت أن الضغوطات المهنية تعد من الظواهر الشائعة في الحياة الإنسانية، إذ يتعرض لها الأفراد في مواقف وظروف وأوقات مختلفة، وقد تؤدي إلى اجهاد نفسي، موضحة أن الأمر يتطلب من الشخص تحقيق التوازن والتوافق مع نفسه ومع محيطه لتجاوز هذه الضغوط والحفاظ على صحته النفسية.
كما أشارت عبيس إلى دراسة في بريطانيا تؤكد أن عمل المرأة خارج المنزل يمكن أن يكون من العوامل المساهمة في الاكتئاب، خصوصاً عندما يترافق مع عوامل أخرى، مثل وجود ثلاثة أطفال على الأقل يحتاجون إلى الرعاية داخل المنزل، وعدم وجود زوج متعاون لدعمها، إضافة إلى فقدان أحد الوالدين في مرحلة الطفولة.
وتشير الإحصائيات الرسمية لمجلس القضاء الأعلى إلى أن المحاكم المختصة تسجل شهرياً أكثر من خمسة آلاف حالة طلاق. وبحسب المراقبين فإن أغلب هذه الحالات تأتي لأسباب اقتصادية وتردي الحالة المعيشية.
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تسعى إلى تقديم المزيد من الدعم للنساء الأرامل والمعيلات لأسرهن والمطلقات. وبحسب المتحدث باسم الوزارة، نجم العقابي فإن العدد الكلي للمستفيدات من الإعانات الاجتماعية يتجاوز (570) ألفاً.
وفي حديثه لـ"الصباح"، أشار العقابي إلى أن هناك برامج تدريبية وخدمات تقدمها الوزارة لدعم النساء المعيلات، منها إقامة الدورات التدريبية والندوات الاجتماعية والبرامج الصحية للمستفيدات، تتمثل بالتمكين الاقتصادي مع تمييز إيجابي للإعانة الاجتماعية للمرأة فاقـدة المعيل، إذ يبلغ الحد الأعلى (325) ألف دينار قياساً إلى إعانة الرجل البالغة (250) ألف دينار شهرياً. كما تقدم الوزارة منحة مالية شهرية للطلبة والتلاميذ من ذوي الأسر المشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية، إضافة إلى منح القروض الميسرة والمشاريع الصغيرة للمستفيدات، التي تـمنحها دائـرة العـمل والتدريـب المهـني ضـمـن ضـوابط مـعـيـنـة.
إضافة إلى ذلك، تقدم وحدات الدعم النفسي ندوات تخص مواضيع نفسية واجتماعية وتثقيفية للنهوض بواقع المرأة ومساعدتها في تربية الأجيال القادمة من خلال المحاضرات التي يتم القاؤها من قبل الباحثات الاجتماعيات، وفقاً للعقابي.
وفي ما يخص دور مجلس النواب في دعم المرأة المعيلة، تقول عضوة لجنة المرأة والطفولة النائبة دعاء كاظم العقابي : إن المجلس وضع العديد من التشريعات التي تدعم المرأة المعيلة، خاصة تلك التي تتعلق بمؤسسة الشهداء. وبينت لـ"الصباح" أنه تم تشريع مجموعة من القوانين التي تكفل حقوق زوجة وأم الشهيد، بوصفهما من الشخصيات الرئيسة في دعم الأسرة، خصوصاً إذا كان لديهما أطفال، إذ تظل المرأة المعيلة الأساسية للأسرة حتى يكبر الأطفال.
كما أشارت العقابي إلى وجود تشريعات متعددة تضمن حقوق المرأة المعيلة، بما في ذلك توفير جميع المستلزمات لضمان حياة كريمة لها. وبخصوص الأرامل، أكدت أن "هناك تشريعات خاصة تضمن لهن حقوقًا، مثل منحهن إجازة عدة لمدة أربعة أشهر وعشرة أيام، وهي من التشريعات المهمة للمرأة المعيلة".
وأضافت أن قانون الضمان الاجتماعي، الذي تم إقراره مؤخراً، يتضمن هو الآخر بنداً خاصاً بالمرأة المعيلة، يتيح لها الحصول على الضمان الاجتماعي، ما يساعدها على تأمين نفسها وأسرتها، إذا كانت تعمل وتسجل في قسم الضمان الاجتماعي.
وأكدت العقابي أن العمل مستمر وهناك متابعة دائمة من قبل اللجنة مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، خاصة مديرية المرأة التي تشمل الأرامل والمطلقات، لتوزيع الحقوق، وكذلك شمول هذه الفئة بالسلف التي تم إطلاقها لهذا العام ضمن الموازنة، وضمان وصول الدعم إلى النساء المستحقات.
كما أكدت العقابي متابعة صرف رواتب التقاعد للأرامل والمطلقات لضمان حصولهن على حقوقهن، وكذلك متابعة وزارة العدل في صرف الرواتب للمطلقات، وتسهيل إجراءات حصولهن على حقوقهن. إضافة إلى ذلك، شددت على متابعة وزارة العمل والإعمار والإسكان في تخصيص وحدات سكنية للأرامل في المشاريع السكنية التي تنفذها وزارة الإعمار، منوهة إلى أن هذه الجهود تتابعها لجنة المرأة والأسرة والطفولة بالتعاون مع عضوات اللجنة مع جميع الوزارات المعنية لضمان تنفيذ هذه المبادرات.