د. علاء هادي الحطاب
معايير النصر أو الهزيمة ليست مطلقة، بل هي نسبية تبعا لتوجهاتنا وأفكارنا ومعتقداتنا، إذ إن مفهومهما يختلف من شخص إلى آخر، ولنا في قصص التأريخ وأحداثه مصاديق كثيرة، بين من يرى في هذه المعركة نصرا، وآخر يراها هزيمة، وأنموذج معركة الطف لا يزال حاضرا في تعدد فهم النصر والهزيمة فيها.
كثير منا يعتقد بأن حرب غزة انتهت بهزيمة المقاومين، إذ يرى في موت قادتهم دليلا كافيا على تلك الهزيمة، بينما يرى آخرون أن انتهاء الحرب التي دامت قرابة 471 يوما من دون تحقيق أي من أهدافها الستراتيجية يعد نصرا للمقاومين، وإن خسروا الأرواح والمعدات والبنايات، لأنهم يؤمنون بأن الكيان الصهيوني وجد ولديه وظيفة أساسية، هي قتلهم وتهجيرهم والاستحواذ على أراضيهم واحتلالها، لذا فإن المنطق الطبيعي هو مقاومة هذا المحتل لا مداهنته، فضلا عن التطبيع معه، لأنه لن يقف عند حدوده التي رسمها على جثث الأبرياء أصحاب الأرض.
مشهد تسليم ثلاث محتجزات من قبل مقاومي غزة وخروجهم إلى العلن في شوارعها وساحتها بكامل أناقتهم وعدتهم وزيهم العسكري، ورباطة جأشهم، وسط حفاوة بالغة من الأهالي الذين فقدوا أحبتهم ومنازلهم وتشردوا، مؤشر واضح على عدم فقدان الحاضنة الاجتماعية لمنطق المقاومة، رغم الخسائر البشرية والمادية الكبيرة.
أكثر من 100 مقاوم مسلح يظهرون إلى العلن بعد ساعات من بدء تنفيذ وقف القتال، الذي وافق عليه الاحتلال الإسرائيلي من دون تحقيق أي من أهدافه المعلنة، رغم مماطلته الطويلة قبل تحقيق هذا التوقف، إذ نجحت المقاومة في الاحتفاظ بالمحتجزين قرابة 471 يوما من دون أن ينجح هذا الاحتلال بمعداته وخبراته واستخباراته، ووقوف أقوى جيوش العالم معه، في تحرير هؤلاء المحتجزين، وهو دليل على فشل أهم أهداف تلك الحملة العسكرية التي قادها الاحتلال عقب طوفان الأقصى.
حتى إن الصحفي الإسرائيلي جاي بيخور قال: " أنتم تشاهدون اليوم التالي للحرب، حيث تنتشر قوات حماس في كل قطاع غزة، ويَجري استقبالهم كالأبطال، سندفع ثمن هذا
باهظاً" .
بل هناك عدد كبير من سكان الاحتلال وقادتهم يعتقدون بالهزيمة، وإن لم يعلنوا ذلك، لكن يكفي مؤشرا في فهم نتيجة الحرب، مدى تحقيق الكيان ومن معه لأهدافهم المعلنة في شنها، فضلا عن مشهد تسليم المحتجزات الذي أوضح بلا شك أن المقاومة يمكن أن تنكفئ، لكنها لن تموت، وسيولد جيل جديد وقادة آخرون يكملون دربها.