بغداد : مقتدى أنور
تصوير: صباح الربيعي
يُعد زقاق الكسرة، الذي دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأصغر زقاق في العالم، مثالاً حياً على كيفية معايشة التحديات اليومية في مكان محدود. يمتد الزقاق الضيق، الذي لا يتجاوز عرضه الـ 35 - 40 سم وطوله حوالي 35 متراً، ليحتضن عشرة منازل فقط.
مع الحياة في هذا الزقاق، يواجه السكان مواقف لا تنتهي من الإحراج والصعوبة. فكل شخص يحتاج إلى شراء أغراض لمنزله يجب عليه تمريرها عبر أسطح جيرانه الضيقة. لا تصل أي خدمات عامة إلى هذا الزقاق إلا ما ندر، وفي حال كان أحد السكان يريد الخروج، عليه الانتظار حتى يتمكن جاره من مغادرة الطريق الضيق أولاً.
رغم هذه التحديات، يبقى زقاق الكسرة رمزاً للقدرة على التكيف والتعايش مع ظروف الحياة الصعبة.
في بداية زقاق الكسرة التقينا بشاكر السوداني، من مواليد 1967، الذي ولد في هذه المنطقة التي تحمل تاريخاً طويلاً. يروي السوداني تاريخ الزقاق قائلاً: "في الأربعينيات من القرن الماضي كانت المنطقة عبارة عن بساتين تمتد من نهر دجلة إلى الوزيرية، وعندما حدثت الكسرة وأصبح السد، بدأ الناس يقطنون في هذه المنطقة بعد أن تخلصوا من فيضانات النهر."
ويضيف السوداني لـ "الصباح" أن ضيق الزقاق تسبب له بمشكلات عديدة، مشيراً إلى أنه لا يستطيع إدخال الأغراض المنزلية إلى بيته إلا عن طريق جيرانه، حيث يتم تمريرها عبر الأسطح حتى تصل إلى داره. ويقول مبتسماً: "يا لحظ من تصل أغراضه سالمة إلى منزله". ويذكر السوداني أن هدوء المنطقة تسبب له أيضاً في مشكلة أخرى، حيث يفتقد لسماع الباعة الجوالين الذين يحتاجهم في أيامه الاعتيادية.
ويواصل السوداني حديثه عن صعوبة العيش في الزقاق: "المشكلات لا تقتصر على الأمور التي يمكن أن أخرج من الزقاق للحصول عليها، بل حتى خدمات الطوارئ مثل الإطفاء لا تستطيع دخول الزقاق في حال حدوث حريق. لقد حصل مع أحد جيراني حادث مؤلم حيث ذهب مع أسرته ضحية لضيق الزقاق."
اتجهنا إلى سوق الكسرة للقاء الحاج أبي مصطفى، (66 عاماً)، وهو أحد سكان الزقاق الذي حصل على شهادة من موسوعة غينيس للأرقام القياسية. يعيش أبو مصطفى في أحد بيوت الزقاق الذي يضم عشرة منازل فقط، ببدل إيجار (125) ألف دينار. يروي عن الزقاق قائلاً: "عدد بيوته لا يتجاوز العشرة، ولضيق الزقاق لا يسمح بالمرور سوى لشخص واحد، ولا يستطيع أحد الدخول إذا كان شخص آخر في الطريق حتى يكمل طريقه."
وأوضح الحاج أبو مصطفى أن السبب في هذا الوضع يعود إلى العشوائية في البناء وغياب التخطيط العمراني، وهو ما أدى إلى تشكل هذه الأزقة الضيقة. كما تحدث عن معاناته في الزقاق: "القوارض تنتشر هنا بشكل كبير، وقد تسببت لي في مواقف عدة، لم أتمكن من ذكرها لصعوبتها. البلدية لا تستطيع الدخول لتنظيف الزقاق، فنقوم نحن سكان المنطقة بتنظيفه بالتعاون معاً."
وأضاف أنه رغم تسليط الضوء الإعلامي على الزقاق، إلا أنه لم يحظَ بأي اهتمام أو حلول للمشكلات التي يعاني منها.
على مقربة من السوق، التقينا بحيدر كريم، (موظف في أكاديمية الفنون الجميلة)، الذي عاش في المنطقة منذ ولادته قبل نحو 60 عاماً. فتحدث حيدر عن زقاقه وأهله بكل فخر واعتزاز، قائلاً: "من يسكن هنا لا يستطيع مغادرة المنطقة، رغم السلبيات الموجودة في الزقاق، إلا أن المنطقة يسكنها أهل طيبون ومتفاهمون مع بعضهم البعض. ومنذ ولادتي وحتى يومنا هذا، لا أستذكر شجاراً أو نزاعاً حصل بين سكان المنطقة."
وتابع حيدر، مشيراً إلى بعض المواقف الغريبة التي يتعرض لها سكان الزقاق بسبب ضيقه، قائلاً: "من المواقف الطريفة، إذا حصلت حالة وفاة، نقوم بحمل المتوفى في بطانية إلى بداية الزقاق، ثم نضعه في التابوت. وقد حصل هذا أكثر من مرة نظراً لضيق الزقاق، فلا يمكن إدخال التابوت من خلاله."
وطالب حيدر الجهات المعنية بتسليط الجهود على هذه المنطقة التراثية، مؤكداً: "لقد أصبح زقاق الكسرة اليوم معلماً من معالم العراق، بعد حصوله على شهادة غينيس للأرقام القياسية، لذا لا بد من الاهتمام به وجعله واحدًا من المعالم التراثية والسياحية التي تبرز تاريخ البلد وثقافته".