الانفتاح الاقتصادي الغربي

اقتصادية 2025/01/22
...

د. حامد رحيم جناني

علينا أن نفهم قضية مهمة جداً في ما لو أردنا أن نحلل المتغيرات الاقتصادية، وهي أن هناك عوامل موضوعية تؤثر في سلوك تلك المتغيرات، وهذه العوامل الموضوعية تختلف من اقتصاد إلى آخر تبعاً لظروف سياسية واجتماعية وأخرى تتعلق بمستوى التقدم أو التخلف في ذلك النشاط الاقتصادي وغيرها من العوامل، ومن ثم من غير الصواب أن نستند إلى النظرية الاقتصادية ذات (الرؤية الساكنة) لنسقط النتائج على أي ظاهرة اقتصادية تستجد هنا أو هناك، فالنتائج ستكون مضللة بلا شك، وهذا ما يتلاعب به الخطاب السياسي أحياناً لتشويه الحقائق الاقتصادية لتحقيق أغراض معينة، فالحالة الصحيحة تكمن بالاستعانة بالعوامل الذاتية للمتغيرات التي تضمَّنتها النظرية الاقتصادية وبالمزاوجة مع العوامل الموضوعية للوصول إلى أفضل تحليل ممكن يدفعنا لصياغة سياسات اقتصادية ناجعة.

الاستثمار الأجنبي المباشر والمقصود به فسح المجال لرأسمال الأجنبي ليقيم مشاريع إنتاجية في الاقتصاد الوطني، واحد من المتغيرات الاقتصادية التي ينطبق عليها ما تقدم، علينا أن لا نقدمه بعنوانه الكلي كحل سحري لإيجاد مقدمات التنمية الاقتصادية، فالنتيجة لهذا الاستثمار هو تقاسم للعوائد بين المستثمر الأجنبي والاقتصاد المحلي ويترتب عليه خروج سيول نقدية مقوَّمة بالدولار إلى الخارج مع آثار أخرى تتمثل بسيطرة ذلك النشاط (في الأعم الأغلب) على سوق إنتاج السلع والخدمات التي يعمل على إنتاجها نتيجة للتفوق التكنلوجي، كذلك مزاحمة الاأيدي العاملة الوطنية، ناهيك عن عوامل سياسية خصوصاً إذا كان الاستثمار في قطاعات إنتاجية محورية كالطاقة مثلاً وغيرها من العوامل.

لذلك ومن وجهة نظر تنموية، من المفترض أن تتوجه الاستثمارات للنشاطات الاقتصادية التي لا يمكن للاقتصاد الوطني الخوض بها لعدم وجود أرضية تكنولوجية مناسبة أو تتطلب رأس مال كبيراً نسبياً يعجز الاقتصاد الوطني عن توفيرها وترك باقي النشاطات التي يمتلك الاقتصاد الوطني ميزات نسبية إيجابية فيه للاستثمارات الوطنية. تجربة العراق في هذا المجال شابها العديد من الملاحظات منها على سبيل المثال لا الحصر أن تعطى رخص استثماري أجنبية لإنتاج مشتقات الألبان الغذائية أو منح رخصة لشركة عربية لوضع إعلانات في الجزرات الوسطية أو إعطاء أرض مدينة ألعاب لشركة عربية وغيرها من الأمثلة، تعدُّ هدراً اقتصادياً غير مبرر كان من المفترض أن تكون لشركات وطنية كونها بسيطة لا تتطلب خبرات خارجية. بالمقابل كان التوجه الاستثماري المتمثل بمعالجة معضلة حرق الغاز المصاحب وغيره من النشاطات التي كان بالاستعانة بشركات غربية مشهود لها بالقدرات العالية أمر له آثار اقتصادية جيدة (إن وجدت تلك لعقود طريقها للتنفيذ) كون العراق حالياً في ظل الحاجة الماسة لإيجاد حلول سريعة لتلك النشاطات لا يملك القدرات الوطنية للنهوض بها. هذه الاستثمارات مثلتها العقود الموقعة مع شركة (توتال الفرنسية) لتنفيذ مشاريع أبرزها معالجة الغاز المصاحب في (أرطاوي وغرب القرنة ومجنون والطوبة واللحيس) التي تحرق كميات كبيرة من الغاز إضافة إلى مشروع ماء البحر لأغراض الحقن النفطي والتي تطمح لإقامته وزارة النفط منذ عشر سنوات دون جدوى إضافة لمشروع الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء وتبلغ قيمة تلك الاستثمارات (27) مليار دولار.  جانب آخر مثله الانفتاح الاقتصادي على المملكة المتحدة وتوقيع على أوراق اقتصادية قدرت قيمتها بنحو (15) مليار دولار شملت تبادلات تجارية مستقبلية واستثمارات بقطاعات مختلفة مع شركات بريطانية، إن الأثر المنشود لتلك السياسات يتمثل بتقديم صورة عن نشاط اقتصادي مستدام يعالج نشاطات اقتصادية متراجعة في العراق منذ عقود وإيجاد بنى تحتية توحي باستقرار اقتصادي يدفع باقي الشركات المتأرجحة في الدخول إلى السوق العراقية لأخذ قرارات أكثر جرأة تجاه ممارسة النشاط في السوق العراقية. كل تلك النتائج ستبقى مرهونة للعوامل الموضوعية المرتبطة بها والمؤثرة فيها ولعل العامل السياسي أولها فلا يممكن أن ننظر في تحليلنا لتلك المتغيرات بعين واحدة فمن الممكن أن تكون حبراً على ورق إذا ظل الوضع في العراق متأرجح.