درس الإنسانيَّة

الأولى 2025/01/23
...

 كتب رئيس التحرير:


لدينا كنزٌ عرفانيٌّ معرفيٌّ لم يولَ الاهتمامَ الذي يستحقّ، يتمثل في أدعية وزيارات أهل البيت ومناجياتهم، وهي كثيرةٌ ومتنوِّعة وذات مضامين غايةٍ في العمق، وصياغاتٍ فريدةٍ بهندسةٍ لغويَّةٍ عجيبة. ومن سعود أقدارنا أنَّ هذه الكنوز تكاد تكون متاحةً لكلِّ أحدٍ منّا، فهي موجودةٌ في كلِّ بيتٍ تقريباً. إذ يندر أنْ يوجد بيتٌ من بيوتنا ليس فيه "مفاتيح الجنان".

هذه الأيّام ذكرى استشهاد إمامنا موسى بن جعفر (عليه السلام). وفي مثل هذه الأيّام من كلِّ عامٍ أستذكر دعاءه العظيم المسمّى بالجوشن الصغير. في هذه التحفة المقدَّسة جوهرٌ ملازمٌ لكلِّ نصٍّ عالٍ، وهو أنه يتوجَّه من أسفل إلى أعلى، من ذاتٍ منكسرةٍ إلى ذاتٍ كليَّة القدرة، من كائنٍ ذي فقرٍ وجوديٍّ إلى مطلق الغنى والاقتدار. وفيه يورد إمامنا الكاظم صنوفاً من الناس تكابد في هذه الحياة، فهناك المحبوس في المطامير، والجريح في ساحة الحرب، والفقير فقراً مدقعاً، والمريض مرضاً لا شفاء له، والمحتضر الذي يتحلّق حوله أهله، والغريق في البحر، والتائه في الصحراء، والأسير في يد أعدائه. صنوف عذابات تجعل الداعي يخرج من أسر أناه الضيّقة إلى رحابة الإنسانيَّة ليجعل نفسه ولو للحظاتٍ محلَّ هذا الإنسان الذي يتعذب، لأنَّ أدنى مراحل الإنسانيَّة وأوّلها هي أنْ تتعاطف مع الآخر كما لو أنه أنت. المفارقة العظيمة أنَّ هذا السفر الخالد قاله إمامٌ قضى (25) سنةً في ظلم مطامير الظالمين ثمّ لم يخرجْ من سجنه إلّا نعشاً مطروحاً على الجسر ببغداد.

صلّى الله على باب الحوائج دائماً أبداً ما دام في هذه الدنيا ظالمٌ ومظلومٌ!