طه جزاع
في مقالٍ من مقالات كتابه الممتع "مسّرات القراءة ومخاض الكتابة.. فصل من سيرة كاتب" ينبّهُ عبد الجبار الرفاعي إلى ما أسماه غواية الكتابة بالقول "صار الهوسُ بالكتابة والنشر، بلا موهبة، ولا قراءة مكثفة، ولا تفكير صبور، كهوس تكديس الشهادات العليا بلا تكوين علمي".
والحق فإنَّ الرفاعي قد لخَّصَ بهذه العبارة المكثفة واقعاً مريراً أصبح من محبطات ولا أقول سمات المشهد الثقافي والأكاديمي العراقي خلال العقدين الأخيرين لأسبابٍ كثيرة في مقدمتها استسهال الطبع والنشر في غيابٍ شبه تامٍّ لأي نوعٍ من أنواع التقييد والرقابة أو إخضاع المادة المنشورة لمعايير الجودة من النواحي الشكليَّة والفكريَّة والأخلاقيَّة، كذلك لخصت تلك العبارة الواقع المؤلم الذي ضخ بعشرات الآلاف من حملة الشهادات العليا إلى الجامعات والكليات الحكوميَّة والأهليَّة ونسبة كبيرة منهم حصلوا عليها من دون تكوينٍ علمي حقيقي وبوسائل ووسائط مختلفة.
إنَّ عبارة الرفاعي هذه اصطادت مثلما يقال عصفورين بحجر، مع أنه أبعد ما يكون عن الصيد ورمي الحجارة، فالرجل كتلة من المحبة والحنو والمشاعر الإنسانيَّة الجياشة، وهو يمتلك قلماً رقيقاً ساحراً، من رقته أنَّه يشخّصُ مواطن الخلل بلطفٍ وهدوءٍ وكلماتٍ طيبات تهدي ولا تؤذي، وتضمد ولا تجرح، وتبقي للإصلاح أملاً بلا حدود.
قبل أيامٍ جمعني مع الصديق علي المرهج برنامجٌ تلفزيونيٌّ لمناقشة موضوع الكِتاب وطباعته وتوزيعه وشواغل المؤلفين والناشرين، وأخذنا الحديث إلى الكتب التي تجد إقبالاً لدى جمهور القراء، كنَّا قد قررنا أنَّ الروايات هي الأكثر مبيعاً ورواجاً، انسجاماً مع اعتقادنا بأنَّنا نعيشُ عصرَ الرواية، قبل أنْ ننتبه سويَّة وفي اللحظة نفسها لنردد معاً: وكتب عبد الجبار الرفاعي!.