المدن الجديدة.. هل ستنقذ المواطن من أزمة السكن
بغداد: سرور العلي
تصوير: أحمد جبارة
تعد أزمة السكن واحدة من أبرز التحديات التي تواجه البلاد، حيث يعاني العديد من المواطنين من صعوبة في الحصول على سكن لائق بسبب الاكتظاظ السكاني والضغط الكبير على البنية التحتية في المدن الكبرى، وعلى رأسها بغداد. وفي محاولة للحد من هذه الأزمة، أعدت الحكومة خططًا لإنشاء مدن سكنية جديدة خارج العاصمة. ولكن، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه المدن السكنية قادرة على تغطية الحاجة الفعلية للسكن؟ وهل ستسهم فعلا في حل الأزمة التي يعاني منها ملايين المواطنين؟
خطط الحكومة تضمنت في المرحلة الأولى إنشاء مدن متكاملة خارج العاصمة بغداد ومنها، مدينة علي الوردي، ومدينة الجواهري، ومدينة الصدر الجديدة، التي ستنطلق أعمال البناء بها في الأيام المقبلة.
وفي جولة ميدانية لفريق "الصباح" في موقع إنشاء "مدينة الصدر الجديدة"، التي تقع إلىالشمال الشرقي من العاصمة بغداد، التقى الفريق بعدد من السكان المحليين الذين عبروا عن آمالهم في أن يسهم المشروع في تحسين ظروفهم المعيشية. حسين حميد، أحد سكان المنطقة، أشار إلىأن المشروع يعد خطوة فاعلة للاستفادة من المساحات الواسعة وبناء مدينة عصرية تواكب تطلعات المواطنين في هذه المنطقة.
من جانبها، قالت أم عباس، إحدى سكان المنطقة: "أعتقد أن الوحدات السكنية التي ستُشيد في هذه المدينة ستكون فرصة للعيش في مكان لائق مع جميع الخدمات التي تضمن حياة أفضل". وأضاف رعد جاسم، أحد السكان المحليين: "هذا المشروع سيوفر فرص سكن بأسعار تناسب محدودي الدخل، الذين يعانون من مشكلات في إيجاد مكان مناسب للعيش".
وفي حديثه لـ"الصباح" قال المتحدث باسم أمانة بغداد عدي الجنديل، "مدينة الصدر الجديدة أحد المشاريع التي جاءت ترجمة للمنهاج الوزاري للحكومة، وهو مشروع اسكاني كبير بدأت بتنفيذه أمانة بغداد".
وأضاف أن "المشروع أحيل إلىشركة صينية حكومية متخصصة في إنشاء البنى التحتية، وسيشمل إضافة إلىتشييد الوحدات السكنية، الكهرباء والاتصالات والماء والمجاري، وأيضاً إنشاء الطرق الرئيسة، خلال مدة إنجاز 1200 يوم".
وأكد الجنديل أن المشروع سيخفف من أزمة السكن في مدينة بغداد، مشيراً إلىأن الحكومة وأمانة بغداد تخططان لإقامة مدن سكنية في مناطق الأطراف، خارج التصميم الأساسي لمدينة بغداد، من أجل الاسهام في امتصاص الزخم السكاني، والحد من الضغط على الخدمات والطرق داخل المدينة".
وتابع: "نحن نتحدث عن مدينة سكنية، وليس مجمعاً سكنياً، وسيكون فيها جميع أنواع الخدمات، من مدارس وجامعات، ومستشفيات ومراكز صحية، والمواطن الذي سيسكن فيها لا يحتاج إلىأي خدمات أخرى من خارج المدينة".
ونوه المتحدث بأن مدينة الصدر الجديدة، هي واحدة من مجموعة مدن تم الإعلان عنها من قبل الحكومة، والتي من شأنها حل أزمة السكن في مناطق الرصافة وبالتحديد شرق القناة، وسيتم بدء الأعمال في تنفيذ المشروع في غضون الأيام المقبلة.
وبحسب إحصائيات غير رسمية، فإن العراق بحاجة إلى (3-4) ملايين وحدة سكنية للقضاء على الأزمة المتفاقمة في السكن.
وأدت هذه الأزمة إلى اتساع المناطق العشوائية التي تجاوزت أربعة آلاف منطقة في عموم العراق، يسكنها حوالي 3 ملايين نسمة.
كما اضطرت الأزمة، المواطنين إلى اللجوء للبناء العشوائي وشطر المنازل، في أغلب مناطق وأحياء بغداد.
ويقول المهندس الدكتور محمد السيد، ممثل وزارة التخطيط في اللجنة المختصة في المشروع: "ستوفر مدينة الصدر الجديدة نحو 60 ألف وحدة سكنية، مصممة وفق طراز حضاري معاصر. وإضافة إلى السكن سيوفر المشروع خدمات متكاملة، وسيحدث نهضة عمرانية".
وأضاف السيد في معرض حديثه لـ"الصباح": "كما ستكون هناك جامعة جديدة سيتم إنشاؤها بالقرب من المدينة، ومحطة للكهرباء وخدمات أساسية ومشاريع استراتيجية أخرى، إضافة إلى شبكة طرق ترتبط بالطريق الحلقي الرابع".
وأكد أنه "خلال المدة المقبلة سيتم البدء بإنشاء الوحدات السكنية، وتم الاتفاق مع إحدى الشركات الرئيسة، وبالتالي ستكون هناك نهضة متكاملة لهذا الجزء المهم من مدينة بغداد".
ولفت السيد "نحن نعمل ليس على توفير سكن أو وحدات سكنية فقط، بل توفير خدمات متكاملة، وننهض بالمحاور الطرفية للعاصمة، خاصة المناطق الفقيرة والمكتظة بالسكان، والعمل عليها اقتصادياً واجتماعياً".
وبحسب المادة (30) من الدستور العراقي، فإن "الدولة تكفل للفرد والأسرة ـ وخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرة كريمةٍ، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم".
ويصف المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، مشروع مدينة الصدر الجديدة بأنه "من المشاريع المتقدمة في العراق، وتحوّل من مدينة الفقراء إلى مدينة العيش الرغيد، لطبقة عانت على مدار أكثر من ستين سنة، من ضيق العيش وايجاد سكن بسيط".
وأضاف في حديثه لـ"الصباح": "هذه المدينة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم واطئ التكلفة، وسكن آخر بتكلفة متوسطة، وآخر بتكلفة أعلى وبسعر تجاري، وهذا التقسيم يأتي ضمن أهداف المشروع".
وأكد صالح "سيمتص المشروع الزخم السكاني لمدينة يشكل سكانها نسبة كبيرة من بغداد، وسينتقلون من سكن مكتظ وبنية تحتية متدهورة إلى سكن لائق بهم اجتماعياً، لا سيما إنهم شريحة كبيرة من مجتمعنا".
وأوضح "ستحيط المدينة الجديدة بمدينة الصدر وستخفف من الأسر المتجاوزة والكبيرة، التي تسكن في مساحات ضيقة، وستكون لهم بيوت بأسعار وتكاليف مناسبة، مع الأخذ بعين الاعتبار المتجاوزين، كون الحاجة دفعتهم لذلك، خاصة أن مدينة الصدر مكتظة بالسكان في مساحات صغيرة، وزعت لهم من قبل الدولة في السنوات السابقة، وتضم شرائح وطبقات مختلفة".
وخلص إلى أنه "يحتاج سكان تلك المدن الفقيرة إلى سكن مناسب، وأعتقد أن هذا المشروع سيخفف من الزخم السكاني والمروري، لا سيما أن بغداد اليوم تضم حوالي 9 ملايين إنسان، وتشكل ما يقارب 22% من سكان العراق، وبالتالي سينهض المشروع الجديد، ويخفف من أزمة السكن بشكل هائل، وستبنى المدينة بتصاميم حضارية وإنسانية تليق بشريحة من شرائح البلاد".
المهندس نبيل الصفار، المتحدث الرسمي لوزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، أوضح في تصريح لـ"الصباح": أن "التوجه الحكومي يسير نحو إنشاء المدن السكنية لتأمين وتغطية العجز السكني، وتخفيض درجة الاكتظاظ السكاني، الذي تفاقم في السنوات الأخيرة، نتيجة زيادة عدد السكان والذي ولد ضغطاً كبيراً على الدولة".
وأكد "لذا فإن إنتاج السكن بسرعة تتناسب مع هذه الزيادة يتطلب التوجه نحو إنشاء هذه المدن، والتي ستوفر آلاف الوحدات السكنية، من خلال التوجه نحو القطاع الخاص، والاستثمار في قطاع السكن، والذي تكون مساهمته لا تقل عن 85% من اجمالي الحاجة السكنية".
ويشير الصفار إلى أنه "لإنجاح ذلك فقد سعت الحكومة من خلال إنشاء هيئة المدن السكنية الجديدة في وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، لإعداد الخطط الخاصة بالتصميم والتنفيذ والإشراف، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للاستثمار والمحافظات كافة، لتهيئة الأراضي وإزالة كل العقبات والتعارضات الموجودة فيها لإعلانها فرصاً استثمارية".
وتابع الصفار حديثه "والتوجهات الحكومية لم تقف عند هذا الحد، بل أطلقت مشروع المطور العقاري، الذي سيوفر هو الآخر أراضي مخدومة بالخدمات الأساسية، وكذلك أخذت جهات أخرى جزءاً من هذا الملف، مثل أمانة بغداد، التي ستقوم بإنشاء مدينة الصدر السكنية".
ونوه الصفار بأن "كل هذه الخطوات سيلاحظ أثرها في السنوات القليلة المقبلة، وستؤدي إلى هبوط أسعار العقارات، وتمكين المواطن البسيط من ذوي الدخل المحدود من شراء وحدة سكنية، ومساعدته في الحصول على قروض ميسرة من المصارف تسدد على مدى عشرين سنة".