إعداد: عامر الموسوي

بعد فقدان طرطوس، لا توجد لدى روسيا الآن غواصات في البحر الأبيض المتوسط

أضحت البحرية الروسية ضعيفة بشكل كبير في البحر الأبيض المتوسط. فقد حرم انهيار نظام الأسد في سوريا الروس من قاعدتهم الدائمة هناك، ومعها قدرة روسيا في الحفاظ على الغواصات التقليدية هناك لأي فترة زمنية. فقد غادرت السفينة الوحيدة المعروفة بوجودها هناك للتو، وبهذا فان أي غواصات روسية في البحر الأبيض المتوسط لم تعد موجودة في هذه المنطقة الحيوية.

تتوالى ارتدادات سقوط نظام الأسد في سوريا في الأسابيع الأخيرة من عام 2024 جزء من هذه الارتدادات بدأت تسمع أصداءها وسط النظام السياسي والعسكري الروسي. اذ فقدت روسيا استخدام القاعدة البحرية في طرطوس، مما يؤثر بالفعل في قدرتها في الحفاظ على القوات البحرية في البحر الأبيض. وأصبحت البحرية الروسية بذلك في أضعف حالاتها هناك منذ ما قبل الغزو الشامل لأوكرانيا في عام 2022. وبشكل ملحوظ، ليس لدى روسيا أي غواصة في البحر الأبيض المتوسط. ومن المحتمل أن تكون هناك غواصة واحدة تعمل بالطاقة النووية هناك، لكن مراقبين يعتبرون هذا غير محتمل في الوقت الحالي. وتحت غطاء الظلام في 2 يناير من الشهر الجاري، انزلقت الغواصة المحسنة من فئة كيلو نوفوروسيسك (B-61) بهدوء عبر مضيق جبل طارق. مثل أي عبور روتيني إلى بحر البلطيق، الذي تم إجراؤه وهي طافية على السطح وفق تأكيد البحرية البرتغالية هذه الرحلة في 4 يناير الجاري.

وجود الغواصة المستمر 

حافظت روسيا على نشر غواصة تقليدية مستمرة تقريبا في البحر الأبيض المتوسط لمدة عقد تقريبا. وتم إنشاء فرقة العمل الروسية الدائمة الحالية للبحر الأبيض المتوسط في عام 2013 وشملت علئ تواجد غواصة واحدة أو أكثر وباستمرار من فئة كيلو نوفوروسيسك في عمليات النشر المتداخلة. ويحتفظ الخبير البحري فريدريك فان لوكيرين بسجل من السفن الروسية المتواجدة في البحر الأبيض المتوسط. هذا يدل على وجود فجوات قصيرة في عمليات نشر الغواصات، لا سيما في أواخر عام 2023، ولكن بشكل عام كانت هناك دائما غواصة روسية من فئة كيلو نوفوروسيسك منتشرة هناك.

كانت هذه الغواصات موجودة في طرطوس ولكن لم يوشر وجود أي غواصة هناك منذ حوالي 3 ديسمبر 2024. يعني فقدان القاعدة أن أي غواصة منتشرة هناك يجب أن تبقى في البحر، مع إمكانية إجراء مكالمات قصيرة فقط في الموانئ الصديقة. من الناحية العملية، تقضي الغواصات الروسية التي تعمل بالطاقة التقليدية (غير نووية) معظم وقتها في الميناء، حتى في الانتشار. هذا يجعل الوجود المستدام في البحر الأبيض المتوسط لا يمكن الدفاع عنه في حالة المواجهات البحرية او المشكلات التقنية.

مشكلات مع غواصتها البديلة

لا يزال بديل نوفوروسيسك، في حال كان هناك بديل لهذه الفئة، متواجد في بحر الشمال بانتظار العبور جنوبا إلى البحر الأبيض المتوسط. اذ لوحظ أن هذه الغواصة من فئة كيلو نوفوروسيسك المحسن، الذي يعتقد أنه كراسنودا (B-265)  ولكن ربما موزهايسك (B-608)، وهي تغادر بحر البلطيق في 31 ديسمبر 2024. كانت الغواصة عادة ما تتقدم أكثر الآن ولكن يبدو أن هناك بعض التأخير ولم يتم الإبلاغ عنها بعد في القناة الإنجليزية. ربما يكون ذلك مرتبطا بالوضع في البحر الأبيض المتوسط، ولكن يبدو أن التفسير الأكثر احتمالا هو مشكلة قابلية الخدمة إما مع الغواصة أو أحد مرافقيها وهذا ما يعزز نظرية المراقبين بالضعف اللوجستي الذي يواجه البحرية الروسية.

الآثار الأوسع

كانت القاعدة البحرية الروسية في طرطوس جزءا رئيسيا من النفوذ العسكري والسياسي الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا. ومن المرجح أن يقلل انخفاض وجود السفن الحربية والغواصات في البحر الأبيض المتوسط من هذا التأثير. وقد تسعى روسيا إلى استبدال طرطوس بقاعدة أخرى. وكان هناك حديث عن ان روسيا تتفاوض على صفقة مع الحكومة السورية الجديدة للاحتفاظ بالقاعدة، ولكن لا توجد علامات رسمية على ذلك على أرض الواقع. يحاول المراقبون التكهن بالمواقع المحتملة، بما في ذلك بنغازي وطبرق في الساحل الليبي، حيث تسيطر قوات خليفة حفتر على هذه المدن في شرق ليبيا، الذي تدعمه روسيا. ومع ذلك، لم يتم تأكيد مثل هذه الصفقة، ولا توجد علامات واضحة على نشاط انشائي وعمراني جديد. وأي قاعدة متفق عليها مع حفتر قد تواجه مستقبلا اضطرابات سياسية بعد وفاة الجنرال حفتر البالغ من العمر 81 عاما.

تأتي جهود روسيا للحفاظ على قوتها البحرية في البحر الأبيض المتوسط كجزء من خطة أوسع فيما يتعلق بقواتها البحرية بشكل عام. فالبحرية الروسية مفرطة بالتمدد بعد الغزو الشامل لأوكرانيا عام 2022 وتعاني من تحديات الصيانة وتوفير قطع الغيار. من المرجح أن يتم تحويل موارد كبيرة إلى القتال في الجبهة الأوكرانية، وفي الوقت نفسه، يواجه الاقتصاد الروسي رياحا معاكسة.  حيث يبدو من غير المحتمل أن تتمكن روسيا من الحفاظ على عمليات نشر منتظمة للغواصات ببحار العالم في المستقبل المنظور، بسبب الكلف العالية لمثل هكذا تواجد على المستوى المنظور.