عادل السوداني: الخطُّ العربيٌّ مرنٌ ومتناغمُ الثقافات

ثقافة 2025/01/29
...

مرتضى الجصاني 






الدخول في عالم الخطّاط عادل السوداني يحتاجُ إلى تذوقٍ فنيٍ من نوعٍ خاصٍّ، كونه يجمع بين أذواق فنيَّة مختلفة في لوحة واحدة، فهو لا يجمع فقط بين فنٍ عربيٍ وآخر غربي، بل هناك تلاقحٌ ثقافيٌّ في أعماله بين ثقافات مختلفة.

الخطاط العراقي عادل السوداني، الذي كانت بدايته مع الخط العربي في الطفولة المبكرة، عندما كان ينظر إلى كتابات أخيه الكبير على جدران المنزل وهو يزينها بآياتٍ قرانيَّة، استهوته تلك الخطوط والانحناءات وبدأ بكتابة بعض الكلمات مستخدماً القصبة بشكلٍ عفوي، بعدها تلقى هديَّة جميلة (سيت خط)، والذي لا يزال يحتفظ بأجزاءٍ منه! من أخيه سالم السوداني، ومن تلك اللحظة بدأ رحلته مع الخط. في العام ١٩٨٧ أقام أول معرضٍ شخصي على قاعات الجامعة المستنصريَّة، تبعها بمشاركاتٍ في معارض مشتركة لجمعيَّة الخطاطين العراقيين، ومن ثم مهرجان بغداد العالمي للخط العربي عام ١٩٨٨.

تتلمذ السوداني على يد الخطاط العراقي الكبير عباس البغدادي، في جمعيَّة الخطاطين العراقيين، وأخذ عنه أيضاً القواعد الأساسيَّة للزخرفة وصناعة اللوحة، وذلك من خلال زياراته لمكتب البغدادي في الأعظميَّة في بغداد، وهناك تعرف على الخطاط نبيل الشريفي واستفاد منه من خلال التمرين والنصائح. ويؤمن السوداني بالتمرين المستمر لصقل الحرف والوصول إلى إتقان النسب الصحيحة.


* من خلال إقامتك في ألمانيا حدثنا عن تأثير البيئة في فن الخط بالنسبة لأعمالك الفنيَّة؟

ــ لا شك أنَّ البيئة عاملٌ مهمٌ ومؤثرٌ في نتاج الفنان أو الخطاط، هذا إنْ كان الفنان لديه الاستعداد للاندماج بالبيئة المغايرة. من خلال تجربتي فالثقافة الغربيَّة تفرضُ على الخطاط العربي أنْ يقدمَ الحرفَ بأسلوبٍ مختلفٍ يكون مفهوماً بصريًا للمتلقي الغربي مع الحفاظ على النسب والقواعد الصحيحة، وهذا يتمُّ عن طريق تشكيلات مبتكرة تحملُ مزاوجة بين اللون والحرف تناسبُ ذائقة التلقي الجديد، وهنا تبدأ رحلة التحدي للانتقال من الأسلوب التقليدي المكرر إلى أسلوبٍ حداثيٍ مع الحفاظ فيه على هويَّة الخطاط الثقافيَّة.


* كيف ترى انعكاس فنّ الخط العربي في الغرب، أو كيف يرى المتلقي الغربي لوحة الخط العربي؟

ــ المجتمع الغربي مجتمعٌ نخبويّ، فهناك فئة تهتمُّ بالثقافة الإسلاميَّة وكذلك اللغة العربيَّة وبالتالي تريد أنْ ترى الجانب الفني المشرق من هذه الثقافة وهو الخط العربي، ومن هنا نستطيع أنْ نفهمَ سببَ إقبال الألمان مثلاً في السنوات الأخيرة على ورشات عمل الخط العربي، والرغبة الحقيقيَّة للتعلم والاستكشاف وهنا تبدأ مهمَّة الخطاط في إدارة الورشة بأسلوبٍ يزيد من حماس المشتركين للتعلم واكتشاف المزيد.

نظرة التلقي الغربي للحرف العربي مختلفة، فهو يراها كأشكالٍ ذات طابعٍ خاصٍ تتمتعُ بديناميكيَّة وانسيابيَّة عالية وهذه الخصائص تتيحُ له أنْ يتأملَ اللوحة الخطيَّة من زاوية أخرى ويبدأ بقراءتها من منظوره الخاص بعيدًا عن المعاني التي تكون ملزمة بالعادة للوحة الخطيَّة.


* تتميز أعمالك بإضافة لمسة خاصَّة بكَ وهي مختلفة بكل الأحوال، كيف تكونت هذه اللمسة وما هي العناصر المؤثرة في الجمع بين الكلاسيكيَّة والحداثة؟.

ــ شكرا لإطرائك!

الحرف العربي بطبيعته يفتح للخطاط آفاقاً رحبة بما يتمتع به من جماليَّة وطواعية تتيح له استحداث تراكيب وتكوينات مختلفة داخل الكلمة أو الجملة الواحدة.

عندما تعيش في مجتمعٍ يحملُ ثقافة مغايرة، وأنت كخطاط تعمل في مجالٍ مرتبطٍ ارتباطاً وثيقًا بالثقافة الإسلاميَّة، عليك أنْ تتحرك في مسارٍ جديدٍ يُتيح للمتلقي الغربي تقديم صورٍ وأشكالٍ خطيَّة تكون على الأقل مفهومة بصرياً من دون التقيد بالمعاني، أو الحاجة إلى اللغة لفهم النص.

ومن هنا يبدأ الخطاط في العمل لإيجاد أسلوبٍ يحقق هذا الهدف، والذي نجده بشكلٍ مباشرٍ في نتاجه الفني، لا شك أنَّ عمليَّة إخراج العمل الفني تحتاجُ إلى أدواتٍ وعناصر مختلفة تسهمُ في صياغة هذا العمل، فمثل اختيار اللون الذي يثير انفعالاتٍ ومشاعر لدى المتلقي وكذلك التنوع باستخدام الخامات ومزج التقنيات، أيضاً توظيف الحرف التقليدي وإعطاءه بُعداً جديداً عن طريق التكرار، أو تسليط الضوء على زوايا محددة فيه من دون إبرازه بشكلٍ كاملٍ لخلق حالة الفضول لدى التلقي وبالتالي وعي جديد للأصالة.


* هل هناك حدودٌ للحداثة في لوحة الخط العربي؟

ــ في نظري لا توجد حدودٌ للحداثة في توظيف الخط العربي كلوحة فنيَّة، ولكن... العمل في هذا الجانب يتطلب أسساً معرفيَّة لا غنى عنها وأهمها إتقان قواعد الخط الكلاسيكيَّة، والتمتع بثقافة خطيَّة واسعة ومن ثم الانطلاق لرحلة تجريد الحرف وتقديمه على أساس كتلة بصريَّة مهيمنة في اللوحة، معتمداً على عناصر أخرى كتوزيع تلك الكتل (الحروف) بشكلٍ حِرَفي ومدروس، وكذلك اختيار اللون الذي يعبر ويتماهى مع موضوع اللوحة.


* هناك إضافاتٌ زخرفيَّة لطيفة في أعمالك حدثنا عن الزخرفة، كيف ترى أهميتها في اللوحة؟

ــ بصفتك خطاطاً وفناناً، فليس كل لوحة تحتاج إلى زخرفة، فهناك أعمالٌ تحتاج إلى فضاءات نستطيع من خلالها أنْ نضمن الهيمنة، أما الزخرفة بشكلٍ عامٍ فهي عنصرٌ مهمٌ في خلق حالة توازن فني بصري في اللوحة، وخاصة التقليديَّة، فهي تعكسُ ثقافة الفنان المسلم بوصفها تعكس نهضة الدين الإسلامي وحضارته. بالنسبة لي فالزخرفة تسهمُ في تنوع العمل وكسر التكرار والنمطيَّة فيه. فتوظيف الزخرفة في أي عملٍ مرتبطٌ بوحدة الوضوع الذي تركز عليه اللوحة وليس فقط ملء فضاء!.


* ماهي رؤيتك للمعارض الخطيَّة والمسابقات التي تزايدت في السنوات الأخيرة؟

ــ لا شك أنَّ المعارض والمسابقات بشكلها العام هي حالة إيجابيَّة من شأنها الارتقاء بهذا الفن الرفيع وإبرازه بوصفه فناً أصيلاً.

فالمسابقات يجب أنْ تلتزمَ بمعايير وضوابط صارمة هدفها إبراز هويَّة الخط بالشكل الذي يناسب هذا الإرث العظيم وكذلك لتحفيز الخطاط لإنجاز أعمالٍ متكاملة ورصينة وهذا ما نشاهده في بعض المسابقات الدوليَّة المرموقة وليس جميعها، من حيث كفاءة لجان التحكيم وضوابط الاشتراك بالأعمال الخطيَّة، أما بعض المهرجانات فقد تسيء أحياناً لجماليَّة الخط ولا تحقق الأهداف المنشودة، من خلال طريقة العرض المتواضعة والكم الهائل من الأعمال في قاعاتٍ صغيرة ومتواضعة، الأمر الذي يدعو المشاهد للتشتت والتعامل مع هذه الأعمال بسطحيَّة.


* ما هو مقياس الخطاط الجيد؟

ــ على الخطاط أنْ يعي المسؤوليَّة الملقاة على عاتقه، فهو يتعامل مع إرثٍ فنيٍ وحضاري عظيم، فمن هنا يجب أنْ يكون مهيمناً على الحرف وأنْ يكون تواقاً لإتقانه وتشريحه، وهذا يتطلب صبراً وجهداً ومواظبة على التمرين ومشاهدة خطوطٍ من مدارس فنيَّة مختلفة، وأخيراً ألا يكون نسخة مكررة لأستاذه، ليقدم لنا حرفاً بنكهة جديدة يعكس شخصيته وهويته الفنيَّة.


* كيف ترى مستقبل فنّ الخط العربي في ظل التطور الهائل في الحياة اليوميَّة؟

ــ أنا متفائلٌ في ما يخصُّ مستقبلَ الخط وانتشاره. ففي بلادنا العربيَّة والإسلاميَّة نرى اهتمامًا كبيرًا بهذا الفن وإقبالًا واسعاً للتعرف عليه، وهناك العديد من الخطاطين والمهتمين الذين يعملون على نشر الخط بشكلٍ أو بآخر عن طريق التعريف بنتاجاتهم، أو إقامة ورش عملٍ مستمرة ومكثفة، وهذا ما نلحظه عن طريق بزوغ الكثير من الخطاطين الشباب الذين يسيرون على نهجٍ صحيحٍ وواضحٍ في إتقان الحرف والتعامل معه بشكلٍ جادٍ ينمُّ عن رغبة جادة وشغفٍ كبيرين.

أما حالة الإقبال على تعلم الخط العربي في أوروبا والتعرف عليه، فتعكس مدى انتشار هذا الفن وجماله والتي تخلق حالة من الفضول للتعرف عليه وتعلمه وتوظيفه في بعض الحالات في مجالات مختلفة، وهذا ما لم نشهده قبل عشرين عاماً تقريباً. ومن جهتي أحاول جاهداً نشر هذا الفن عن طريق تقديم ورشات عملٍ تهتمُّ بالخط العربي في أماكن ثقافيَّة مرموقة كمتحف جوتنبيرغ وجامعة غوته فرانكفورت وأماكن عديدة أخرى.