زهير الجبوري
يبدو للوهلة الأولى أن ما يقدمه التشكيلي العراقي عامر العبيدي من أعمال تأخذ على عاتقها ثنائية العمل التعبيري "أولا" والمضموني "ثانيا" والمتمثل باشتغاله برسم الحصان بالدرجة الأساس وبعض الكائنات الحيوانية الأخرى، غير أني أجد أن فلسفة العبيدي تنطوي على المنظور الجمالي لأسلوب فريد في طريقة استخدام الألوان والتجديد في أسلوب الرسم بوصفه من أهم الفنانين الذين عاصروا حركة التجديد في الفن منذ نهاية الخمسينيات مروراً بالستينيات وإلى يومنا هذا، فقد قدم تجربته بطريقة اعتماد شفرات جمالية بارزة، بمعنى وجود "استيطيقا" واضحة بَرّزت أشكاله داخل اللوحة، وهي من مهاراته التي لابد من الإشارة اليها لأنها تعطي انعطافة مهمة في تحليل أعماله.
ما يثير الانتباه في لوحات الفنان أنه يتعامل مع الكائنات المجاورة للإنسان (الحصان ../ النسر../ الصقر../ الذئاب../ الغزلان../ القطط..) ويبرز أهم ملامحها الجمالية عبر كيمائية الألوان، ما يجعل منظور كلّ شكل له دلالة لونية بارزة، خاصة عندما يركز على الألوان البارزة والحارة، ما تعطي منظوراً ملفتا وبراقا، إضافة إلى ذلك يقوم بخلق الجدل الوجودي عبر علاقة
الإنسان بالكائنات الحيوانية المحيطة، وهي ميزة تمتعت عند الكثير من فناني العراق والعرب، وبالأخص الفنان الكبير فائق حسن غير أن العبيدي له أسلوبه الأدائي المتفرد، لذا أحسب أن كل ما يقوم به يُقدم عبر قراءة دقيقة لفحوى اشتغاله، ولعل هذه العلاقة الوجودية/ الحياتية، هي تعبير عن أبراز جمالي واضح.
إن ارتباط الفنان عامر العبيدي بجذره الرافديني أعطى له بصمة جمالية بارزة، وهي من مسرودات الأثر عبر تأثره بالقصص والحكايا "كما يبدو في قراءتنا للوحاته"، فالقيم والعادات والتقاليد كانت حاضرة عنده عبر استلهام روحي وذهني، وهنا نمسك بأسلوبه في رسم كل ثيمة على أنها نابعة من فكر وأداء مدروس ومن رؤية فلسفية للتنوع في طريقة الرسم، ولو أحلنا موضوعاته إلى جانب من التحليل المضموني لنجده يكرس الظواهر الاجتماعية من خلال علاقة (الحيوان/ الحصان) بـ (الإنسان/ البيئة) ثم بظاهرة معينة كطقس من طقوس مجتمع ما أو من حكاية ما، وكما يقول فاروق يوسف (لقد أمتلك ناصية التعبير عن نفسه من خلال الّلجوء إلى حكايات لن يضطر لرؤيتها بعد الرسم، مفردتها الأساسية ستمكنه من خيالها).
الاشتغال في موضوعة ترتبط بالمكان (الصحراء) ـ مثلا ـ هو الاشتغال في منطقة غاية الصعوبة، لأنها تنتمي إلى فضاءات مفتوحة، وتحيطها مفردات محسوبة، لكن القدرة الأدائية التي مارسها العبيدي كانت عبر قراءة فنية دقيقة، حيث وظف الألوان داخل تكنيك مدروس استطاع من خلاله أبراز الكوامن الجمالية بطريق تعبيرية غاية الأهمية، وهي طريقة فلسفية خاصة به، بل تفرد بها وأعطى لها
احقيتها.
أغلب ما شاهدناه في أعمال الفنان من الناحية المضمونية، أنه يعبر عن وجود ملحمة كبيرة وحركة تأخذ في طياتها وجود قضايا فكرية معينة، ولا أدري إن شاطرني الرأي أحد، إذ أشعر بأنه قريب من ملحمة جواد سليم وجداريته المعروفة، على الرغم أسلوبه المتفرد، كما أنه يعطي شكلاً مغايراً لوجه الملحمة عبر تنافذ بصري قوامه اللعب بالألوان، وهنا تصبح ثيمة اللون طاغية وكأن الحكايا لها منظور في التلقي يختلف عن التصور الذهني، وأنا مع إبراز هذه الجماليات ومع اظهار التنوع في قراءة الأشياء المستعادة بأساليب متعددة، إضافة إلى ذلك اعتمدت لوحات الفنان على ثيمة الرمز من خلال وجود تنافذ صراعي بين (الطائر/ النسر/ الصقر) و(الإنسان) أو بين (الحصان/ الفرس) و(الإنسان)، فالرمز هنا يأخذ على عاتقه حضور الذات المنتجة للصراع بين البشر وما حوله.
الفنان التشكيلي عامر العبيدي قدم تجربته الممتدة لعقود ليبرهن أنه متواصل في العطاء الفني وهو في منفاه، لكنه حاضر بمنجزه، ومع أنه ابن بيئة شرقية وسط العراق إلا أنه جرّب العديد الأساليب الفنية/ التشكيلية، وقد أقام العديد من المعارض الشخصية مع مشاركاته الكثيرة في المعارض المشتركة داخل العراق وخارجه في الكثير من دول
العالم.