علي حسن الفواز
أثارت كلمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب " المتلفزة" أمام المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس جدلاً كبيراً، ومخاوف كثيرة بعد مطالبته زعماء العالم بالعمل على "خفض معدلات الفائدة بشكل فوري" وخفض أسعار النفط والغاز، وعلى نحوٍ جعل من هذه "المطالبة" تبدو وكأنها إجراءٌ سياسي فاعل للتلويح بإيقاف الحروب، ومنها الحرب الأوكرانية الروسية، وبعكس ذلك فإن الولايات المتحدة ستمارس سياسة اقتصادية صارمة تخصُّ زيادة الرسوم الجمركية على كثير من الدول، بقطع النظر عن علاقة ذلك بمضامين اتفاقية التجارة الحرة التي ترعاها أميركا، وهو ما يتضمن إشارة إلى الصين وروسيا وكندا والمكسيك، وإلى سياسات ترامب الجديدة حول فرضيات الهيمنة الأميركية، وإجراءاتها الخاصة بـ"تصفير" الحروب في العالم.
لكن الأخطر في هذه المطالبة هو ما يهدد دول منظمة "الأوبك" وسياساتها النفطية، إذ ستجد نفسها إزاء واقع صعب ومعقد، قد يقوّض برامجها ومشاريعها الاقتصادية والمعيشية، لاسيما أن اعتمادها على الطاقة يمثل المصدر الرئيس لدخلها القومي، في تنمية اقتصادها، وفي تنظيم موازناتها العامة، فضلاً عن أن الضغوط التي فرضها ترامب، ستشمل تجميد المساعدات الخارجية لعديد الدول، وإعلان حالة الطوارئ لمعالجة العجز في الطاقة لدى اميركا، على حدّ قوله.
تدخل هذه الإجراءات في صلب السياسة، وفي تحويل براميل النفط إلى براميل سياسية، ووضع الاقتصاد الأميركي في سياق خدمتها، عبر تأمين فرص مفتوحة وضاغطة لاستقطاب مزيد من الاستثمارات في الولايات المتحدة، ودعم برامج ومشاريع الذكاء الاصطناعي كحقلٍ جديد للاستثمار، والمثير في الأمر أن مطالبات ترامب شملت دول الاتحاد الأوروبي، من خلال الدعوة إلى إعادة النظر بسياسة الضرائب الخاصة بالشركات الأميركية التي تعمل في أوروبا.
لقد بات واضحاً ما تضمره مطالب ترامب الاقتصادية، والتي تكشف عن أهداف سياسية، وعن عقوبات جديدة على روسيا والصين، وعلى دول منظمة الأوبك، فالتصريحات التي جعلت من أجواء دافوس ساخنة، تحولت إلى تهديد بتطبيق فرضية " العولمة الاقتصادية" وإلى انتقادات شملت رئاسة بايدن السابقة، مثلما شملت " حلف الناتو" عبر الطلب من دوله زيادة إنفاقها الدفاعي في الحلف إلى 5 بالمئة، وهو ما أثار لغطاً حول النوايا والأهداف والإجراءات، وبالسعي إلى تغيير معادلات الدعم الأميركي للحلف، وللدول ولطبيعة السياسات السابقة، والتي بدت واضحة من خلال مواقفه الخاصة إزاء موضاعات الهجرة، وتوسيع الإنتاج للطاقة المحلية، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ومن منظمة الصحة العالمية.