أمين قاسم الموسوي
"تمثال الملك الباكي"، مجموعة قصصيَّة لعبد الأمير المجر، صدرت عن دار الشؤون الثقافيَّة العامة في بغداد، وقد كانت قصة "كتاب الخراب" فاتحة هذه المجموعة، وهذا الافتتاح يثير تساؤلاً: لماذا جعل عبد الأمير المجر هذه القصة فاتحة منجزه القصصي هذا؟
وهذا التساؤل لا يرضي جماعة "موت المؤلف"، والجواب هو أن في قلب المجر أحزانا وأحزانا تميل به الى هذه الأجواء، وها هو ذا ينفّس عنها بخفقات قلبه سرداً، جعل فاتحته، ورأس الشليلة، ووجه قماشه، وطليعة ما جاد به قلمه، جعله قصة "كتاب الخراب" وما ذلك بمصادفة، لأنّ الفلسفة تطرد المصادقة المحضة من تعليلاتها.
لقد جاء السرد في "كتاب الخراب" ضاجاً بروح الاغتراب والخوف على المستويين الفردي والجماعي في الزمان والمكان، لأن "كتاب الخراب" رمز فيه ما فيه من التشاؤم حتى أن الطفل القارئ في المكتبة يصير شيخاً، ودورة الزمن لا تتوقف، إذ ينشأ طفل جديد، سيشيب حتماً فتكون حاله كحال الشيخ ذي الشعر المنكوش والظهر الأحدب، وكحال طفل آخر شاب وانتهى به الحال هذه النهاية البائسة المتشائمة، وما هذه الحال إِلا تجسيد لهذا التشاؤم، والأدهى من هذا كله أن المكتبة وأمينتها صارا خراباً، بل المجتمع بأسره ترك التنوير، فغدا مكان الثقافة والعلم "المكتبة" مكاناً للخرافات والخراب والتخلّف، فحيكت حول المكتبة حكايات الجن الذي يسكنها بدلاً من الكتب والقرّاء رمزاً المعرفة والتنوير، وقد أوغل المجتمع في جهله حتى أنه ما عاد أحد من أفراده يرغب بشراء أرض المكتبة تعبيراً عن الجهل المطبق والإيغال في الجاهليَّة، بالنفور عن بؤرة التنوير "المكتبة"، ولكن ثمة بارقة أمل وسط هذا الظلام جسّدها ذلك الطفل الذي ختمت به القصة وهو يتطلع الى عنوان الكتاب الذي يحمله الطفل القديم الذي شاب وانحنى ظهره، وبهذا الختام أضاء عبد الأمير المجر آخر النفق حتى لا تكون القصة خراباً في خراب وتصبح "دستوبيا" ليس ثمة من أمل يرتجى يطل من بين السطور، على قارئها.