علي حسن الفواز
يُثير ما يجري في المنطقة من تغيراتٍ سريعة أسئلة شائكة، ومواقف متعددة، يختلط فيها السياسي بالأمني بالجيوسياسي، وعلى نحوٍ يجعل من دبلوماسية الرئيس الأميركي دونالد ترامب مفتوحة على احتمالات، يرتبط بعضها باستمرار السياسة التي تدعم الكيان الصهيوني، والبعض الآخر يرتبط بتسويق خطاب القوة، وعلى تكريس الإجراءات التي من شأنها تحويل المنطقة إلى "مختبر حسابات" للصراع الأميركي مع الآخرين.
المخطط الخاص بتهجير الفلسطينيين من غزة ليس بعيدا عن تلك السياسات، ولا عن القبول بتوسيع المجال الاستيطاني للكيان الصهيوني، ولا عن المخطط الستراتيجي لتطبيق "خارطة الشرق الأوسط الجديد" بوصفها خارطة الهيمنة والقوة، وفرض خطة براهام المثيولوجية بأقنعة سياسية واقتصادية وثقافية، تستنفر المُتخيّل في سرديات اختفاء التاريخ العميق للصراع الوجودي في المنطقة، والذهاب إلى إجراءات ماكرة وخادعة، يخص بعضها فرض سياسات "الدعم المشروط"، والاستمرار بتعطيل عمل "الأونروا" الخاص بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فضلا عن قفل الأبواب على الأدوار الصينية والروسية في المنطقة.
ما يتداعى من المشهد السياسي لن يكون سهلا، ولن يقبل الكثيرون بفرضيات الحلول الأميركية رغم عنفها، لا سيما ما يتعلق بخارطة التطهير العنصري في غزة، ولا بتحويل اقتصاديات المنطقة إلى "سوبرماركات" للشركات الأميركية العابرة للقارات، ولا حتى بسياسة البنك الدولي وقروضه، إذ سيُفضي الخضوع لها إلى مزيد من الصراعات الأهلية، وازدياد أعداد المهاجرين والهاربين من الجغرافيا الساخنة، على نحوٍ سيجعل من "ما بعد السياسة" كأنه إرضاءٌ لتوجّهات الرئيس ترامب في ولايته الجديدة، وفي تطبيق أطروحته حول مفهوم دينامية "الرأسمال المتوحش"، وزيادة مساحات الاستثمار والمصالح، على حساب الدول الأخرى، رغم ما يحوط الأمر من توقعات حول محدودية النمو، وحول زيادة فاعلية التنافس الاقتصادي مع منظمات اقتصادية دولية مثل بريكست وشنغهاي، وربما سيعيد ترامب النظر بفلسفات فوكوياما حول انتصار الليبرالية الجديدة، ونهاية التاريخ والإنسان الأخير.
سياسة ترامب الخارجية ستكون أمام اختبار عسير، مثلما ستكون أمام تحدياتٍ يدخل بعضها في سياق "لعبة الحرب المفتوحة" وبعضها في سياق الحديث عن تغويل النزعة الأميركية، ومدى قدرتها على "تصفير الحروب" بدون سحب تنازلات من الآخرين، وصولا إلى مواجهة تحديات "رعب الأسلحة النووية" واتفاقات خفضها مع روسيا، وكذلك مواجهة تحديات المجتمع الدولي بعد الانسحاب من اتفاقيات ومنظمات دولية لها ثقلها وأهميتها في التصدي لأزمات المناخ والبيئة، وفي مواجهة فوبيا الأوبئة التي تركت العالم مفتوحا لحروب غير مرئية.