كاظم غيلان
تصوير: نهاد العزاوي
"نجوم تتلألأ حول قمر مظفر النواب" بهذا العنوان وبجزأين. صدر عن دار الشؤون الثقافية -وزارة الثقافة كتاب لغزاي درع الطائي.
بقدر ما ظلت تجربة الشاعر مظفر النواب رهينة الحظر والتعتيم عربياَ وعراقياً لما في خطابه الشعري من نقد وتعرية وسخرية مريرة للحكومات التي حكمت بقبضاتها الحديدية على بلدان كانت لا تشبه سوى "سجون متلاصقة.. سجان يمسك سجان" كما جاء في واحدة من قصائده .
عراقياً ظلَّ مظفر النواب صاحب القصيدة المهرَّبة حتى العام 2003، إذ انتشرت مطبوعاته الشعرية إلى حيِّز العلن وكأنها مطلقة السراح مثلما عادت قنوات الإعلام لبثِّ الأغنيات التي حملت كلماته بالعامية العراقية التي بدأ مشواره الشعري من خلال ريادته لاتجاه الحداثة وما حقق من خلق وابتكار لمضامين لم تكن مألوفة من قبل في هذا اللون الشعري.
غزاي درع الطائي فضلاً عن كونه شاعراً عراقياً بارزاً، هو أحد الذين انشغلوا بتجربة النواب الشعرية وخَبَرها بحثاً ودراسةَ، حيث حاز على شهادة الدكتوراه عن رسالته "الإيقاع - أنماطه ودلالته في شعر مظفر النواب" جامعة ديالى 2018.
الكتاب الجديد بجزأيه الأول 596 صفحة من القطع المتوسط، والثاني 518 صفحة من القطع ذاته، تضمنا كل ما يحتاج إليه الباحثون والدارسون لتجربة النواب، شارك بها كتاب وشعراء،نقاد وصحفيون عراقيون وعرب .مثلما تضمنا القصائد الشعرية المهداة له لعل في مقدمتها قصيدة للشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري .
وقد لخَّص الطائي حصيلة ذلك بالأرقام: ففي الفصل الأول نجد 173 حواراً أجراه صحفيون عراقيون وعرب مع النواب. أما الثاني فقد تضمن مقالات كتبت عنه بلغ عددها 91 مقالة. كما تضمن فضلاً عن ذلك ما كتب من قصائد ومقالات بعد رحيله بلغت 52 مقالة.
الكتاب تضمن دليلاً بأسماء، وعنوانات البحوث والدراسات الأكاديمية التي تناولت تجربة النواب. الجهد النادر للمؤلف يتضح في تقصِّيه وبحثه الدؤوبين عن كل ما نشر عن الشاعر في صحف ودوريات ومواقع إلكترونية.
تجدر الإشارة إلى أن دراسة النواب أكاديمياً ظلت قيد الحظر ليومنا هذا حتى على مستوى العراق باستثناء قصائده المكتوبة بالفصحى، إذ لم يزل العمل سارياً بقرار مجلس قيادة الثورة المنحل والذي يقضي بالحفاظ على سلامة اللغة العربية ، ولقد حاز العديد من الباحثين على درجات في الماجستير والدكتوراه من جامعات عراقية عديدة بعد 2003.
الكتاب أيضاً تضمن أسماء الكتب التي صدرت عن النواب والتي يمكن للباحث أن يستعين بها. تجربة النواب لا يمكن لنا الإشارة بإهمالها فهي قيد الحظر الرسمي إعلامياً وأكاديمياً، وقد ظلت قصائده تصل مهرَّبة وتتناقلها الأيدي عبر تسجيلات صوتية أخذت طريقها للانتشار برغم خطورتها وما يترتب من إجراءات قاسية في حال ضبطها من قبل أجهزة الرقابة، ولذا فالشاعر نفسه كان عازفاً عن طباعة أعماله الشعرية لدرايته التامَّة بما يحيطها من ممنوعات، وبرغم انتشار طبعات عديدة لأعماله الشعرية، إلا أنها كانت تصدر من دون استئذانه وصرَّح بذلك صحفياً وعبر لقاءات عديدة معه بأن ليس لديه من الإصدار الشعري سوى مجموعتين بالفصحى "وتريات ليلة, والمساورة أمام الباب الثاني" وفي العامية "للريل وحمد, وحجام البريس".
في الحوارات المنشورة مع الشاعر التي اعتمدها المؤلف يمكن للباحث وحتى القارئ التعرف على تفاصيل مهمة في تجربته الحياتية التي توزعتها المنافي مذ مغادرته العراق 1969 والتي لم يفصح عنها سابقاً.. الجهد الذي بذله الطائي يستحق الإشادة ضمن ما أنجز من مسؤولية أخلاقية
وثقافية.