يقظان التقي
يعرض الفنان مازن الرفاعي مجموعة من أعماله الجديدة في صالة غاليري أجيال "الحمرا، شارع عبد العزيز"، بمعرض يحمل عنوان "Amorous Colors "الألوان العاشقة" الذي يأتي بزمن لبناني جديد بعد انتخاب رئيس الجمهورية وشغور رئاسي استمر عامين ونيف، كأول معرض فني تحول إلى تظاهرة فنية وثقافية واجتماعية في المدينة بيروت، بغنى ألوانه وبطاقة إيجابية حيّة. وانعكس المعرض فرحاً في مساحة زمنية للعمل الفني الجاد في تجربة فنية بدأها منذ عقود. وهنا يكتسب الأمر مذاق الشاعرية في الفنون على أساس أنها جماليات تجريدية غنائية في الفن المعاصر.
يفتح الرفاعي نافذة مهمة على أعمال أقوى وأشد تشويقاً، تلك التي شكلت كتلة الطبيعة الجمالية التي رسمها. أبعد من ذلك يذهب إلى نوع من الصوفية التأملية، أو أشياء تكتنز روحا أخرى في دواخله، وعوالم لونية على مساحة عرض أخرى وأثنولوجية إنسانية مستبطنة مجازات موحية تقع تحت شراط الراحة الحلوة أو الجمالية، بعيدا عن مدونات القلق والعزلة والتمزق في الحلقة المفقودة التي عاشها اللبناني في الفترة الأخيرة.
فنان رهيف / غنائي، يتنفس روح سهل البقاع اللبناني بمرزنته وبشاعرية غنائية شخصية متدفقة بعيداً عن مشكلات قطاع الفن ومشكلاته وتعقيداته.
لطالما درات أعماله حول المشهد الطبيعي ومدينة بعلبك في أركيولوجية وهندسة فنية انطباعية في تاريخها وتراثها وتقاليدها وأساليبها، قد تختبئ في خلفيته الأعمال الفنية المعروضة، حيث اختبر خلالها أساليب وتقنيات متنوّعة، لكن في تطوّر كلاسيكي مستمر، يأخذ في الاعتبار حداثة الفن المعاصر واتجاهاته الفنية الجديدة.
صارت الطبيعة عند الرفاعي بمثابة الحدث الإبداعي، وهو حدث داخلي، يتجاوز موضوع المشاهدة الخارجية بشاعرية صوفية غامضة، في تحولات الكتل اللونية وحركيتها التأويلية في
مشاهد تجريدية غنائية، وهندسة مساحات لونية شبه تكعيبية بمهارة المهندس المدني وأدواته، وكيفية توظيفها "أي المساحات" بحيث تنتج رواية تشكيلية متماسكة في ايقاع فني متناغم في لعبة اللون والضوء وحدود الكتل في علاقتها مع ما يجاورها من مساحات أو لوحات.
ينخرط الفنان داخل لغةٍ فنية شاملة منفتحة على رغبته الشديدة في تشييد فضاء جديد وشعوره العميق بالتحرر من الانتماء إلى أي هوية محدَّدة. لكن ليس بعيداً عن طريقة تشييده للفضاءات، التي تحفظ الخطوط الأساسية وتستحضر الأشكال في بساطة ايقاعها، مع شيء من "هرس" الأشياء المرسومة على سطح اللوحة وعدم اختزال الأحجام بأشكالها الهندسية وعدم إحلال قطيعة شاملة مع الواقع.
اختبار مثير يرتكز على تشكيل الفضاء وتفجير الأشكال، كما يشهد على ذلك الخروج من اللوحات التي خصّصها للطبيعة الصامتة.
أعمال هذا المعرض تتميّز بالغنى في استخدام الألوان وعدم الاختيار بين الشكل واللون بالحاجة إلى تحرير ألوانه وتحريك خطوطه. يكتسح الضوء كل مساحة اللوحة، بينما يستقل بخطوّطه العصبية نسبياً داخل الألوان المستخدمة ويكمّلها. ومن جهتها، تنتشر الألوان المحرَّرة من حدودها التقليدية داخل فضاء اللوحة وتغطي الفراغات مخلّفةً مناخات مكثّفة تمدّ أشياء اللوحة ببعدٍ أثيري.
تعبيرية شاعرية اللونية في اللغة التصويرية، تراكم تجربة جمالية في أعمال الرفاعي، ويضفي عليها شخصيته الدافئة على ما ينتجه في أعماله الأخيرة، يضيف إلى البعد النظري بعداً داخلياً، في آلية عمل لا تهدأ منذ سنوات ومنتجة بلا تعب.
هذا ويضم مجموعة من أعمال الـTapestry "البساط" وهو المصنوع حرفياً في منطقة البقاع "عرسال"، وأضاف الرفاعي إلى وظيفته البيتية التراثية، وظيفة فنية لونية انيقة جداً كما اللوحة في بعد جمالي تواصلي/ سوسيولوجي.
من هنا أهمية المعرض، إذ يقترح علينا قراءةٍ متقاطعة لإنتاجه التشكيلي تعكس حواراً مثيراً ومثمراً في التجريب الفني في هاجس واحدٍ هو التقاط اللحظة المعيشة، والتمكّن من الطبيعة من خلال تذكّرها إلى ما لا نهاية في اللوحة وفي داخلها أنثى طبيعية.
مسار يحمل جملة من الانطباعات فيما بعد فن الرسم، إلى الشغف الكبير والظاهر بالحياة وبجمال العالم، إدراكاً بصيراً بعبثية الابقاء على الزمن الضائع.