علي حسن الفواز
بات مفهوم الهيمنة من أكثر المفاهيم إثارة للجدل والاختلاف، فمع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرئاسة دخل هذا المفهوم في سياق تداولي فائق الخطورة، فتحوّل إلى قوة ضاغطة، وإلى ترويج استعلائي للنظام العالمي الجديد، وتدويل علاقته بالخطاب الأميركي، وإعادة توصيف قواعد الاشتباك الاقتصادي والسياسي في العالم، وعلى نحوٍ يجعل من مفهوم الهيمنةأخفّة، في التعاطي مع القضايا الحقوقية والقانونية، ومع سياقات عمل المنظمات الدولية، فضلاً عن تأثيرها عبر فرض إجراءات تخصُّ موضوعات إشكالية مثل الهجرة والضرائب والاتفاقات التي وقعتها الولايات المتحدة.
تصريحات ترامب بشأن تهجير أهل غزة من أكثر القضايا إثارة للاستغراب، وللتجاوز على حقوق الشعوب التي تعاني من الاحتلال، فهذه التصريحات جاءت عبر صيغة استعلائية، ومن منطلقات أوهام الهيمنة والتفوّق، ومن فرضية أن قوة الولايات المتحدة تجعلها صاحبة الشأن في فرض نظريات محددة للديموغرافيا على العالم، وعلى توصيف الشعوب وعلاقتها بالمكان والتاريخ والهوية، وكأن ما يسعى إليه الرئيس الأميركي عبر هذه الإجراءات يؤكد غرائبية طريقته في إدارة النظام العالمي الجديد، وفي أوهام ترويجه لأطروحات "الاستعمار النيوليبرالي" القائم على أساس السيطرة على الثروات، وعلى الممرات المائية، وعلى الأسواق، وعلى ترويج نمط العولمة وثقافة الاستهلاك، مع توصيف قسري للعلاقة الاحتوائية مع دول العالم، لاسيما " الصين وروسيا وإيران والمكسيك وكولومبيا وفنزويلا" مع التلويح بفرض مزيد من العقوبات عليها، تحت يافطة عدم قبولها بتطبيق مفهوم "الهيمنة الأميركية".
إن نظرة ترامب إلى معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، تفتقد للعقلانية، فالتهجير عن الأرض، هو إجراء غير قانوني وغير أخلاقي، مثلما هو وجه آخر للعدوان، وهذا ما دعا أغلب دول العالم، ومنهما دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين إلى رفضه، وإلى ضرورة تهيئة الظروف الإنسانية لعودة الفلسطينيين إلى أراضيهم في غزة، مع عدم الانجرار إلى سياسات عنصرية، تعيد إلى الأذهان رهابات مفهوم الأبارتيد، ومفهوم العبودية، وتحويل قضايا الشعوب إلى حكايات ومثيولوجيات شعبية.
تحويل مفهوم الهيمنة إلى عنوان للقوة، جعل من قرارات الرئيس ترامب محطَّ شكٍّ، وقلق، فما تثيره من توتر دولي سيضع سياسة الولايات المتحدة اأمام تحديات ستراتيجية كبيرة، لا سيما ما يتعلّق بموضوعات الضرائب والهجرة، والتجاوز على القانون الدولي، وفرض العقوبات على مؤسسات دولية تعمل على تطبيق هذا القانون، فضلاً عن التلويح بالاستحواذ على أراضي الغير، واحتمال الدخول في صراعات غامضة لا حدود لها، ولا تفسير لمراثيها الكثيرة.